ولم يكد النبي
صلى الله عليه وسلم
يفارق أصحابه حتى ظهر بينهم خلاف أوشك أن يكون عظيم الخطر على وحدتهم؛ ذلك أنهم أحسوا الحاجة إلى من يخلف النبي في سياستهم وتدبير أمورهم.
فأما الأنصار فظنوا أن الأمر ينبغي أن يكون فيهم وأن شئون الحكم يجب أن تصير إليهم؛ لأنهم أصحاب المدينة وليس المهاجرون إلا ضيفا عليهم طرءوا على المدينة منذ عشر سنين. وهم قد آووا النبي والذين هاجروا معه من قريش والذين هاجروا إليه بعد ذلك من قريش ومن سائر العرب. وهم قد خاضوا في سبيل النبي وفي سبيل الدين ما خاضوا من الحروب، واحتملوا من مشقة الجهاد؛ فهم أولى الناس بأن يكون منهم خليفة النبي، وقد اجتمعوا بالفعل وأزمعوا أن يبايعوا بالخلافة رجلا، ورشحوا «سعد بن عبادة» زعيم الخزرج لهذا المنصب.
ولكن الأمر انتهى إلى زعماء المهاجرين فأسرع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح إلى الأنصار ليعلموا علمهم وليصرفوهم عما أزمعوا، فكانت محاورة وشيء من جدال ثم عرضوا أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير، فأبى ذلك أبو بكر وقال لهم: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. واحتج عليهم بأن النبي من قريش فيجب أن يلي أمره بعده أولو قرابته. وروى لهم عن النبي أنه قال: «الأئمة من قريش.» فثاب الأنصار إلى سماحة نفوسهم وكرهوا أن يأخذوا الخلافة أجرا على ما أبلوا في ذات الله ورسوله من البلاء.
وأذعنوا آخر الأمر لما حدثهم به أبو بكر عن النبي من أن الأئمة من قريش، ثم اقترح عليهم عمر أن يبايعوا أبا بكر وأسرع هو إلى بيعته فتبعه الأنصار ولم يخالف عنهم إلا سعد بن عبادة؛ لم يقتنع بقول أبي بكر ولا بإسراع القوم إلى بيعته، بل اعتزل الأنصار والمهاجرين جميعا وعاش في عزلته حتى قتل في الشام أصابه سهم لم يعرف من رماه به.
وتحدث الناس بعد ذلك بأن الجن هم الذين قتلوه، وأضافوا إلى واحد من الجن بيتين من الشعر زعموا أنهم سمعوهما ولم يروا قائلهما:
قد قتلنا سيد الخز
رج سعد بن عباده
ورميناه بسهمين
صفحة غير معروفة