هنالك ازداد الخوارج ثقة بأنهم على الحق، وبألا حكم إلا لله، وكثر خروجهم من الكوفة سرا حتى أصبح لهم شيء من قوة.
وقد تجهز علي مرة أخرى للقاء أهل الشام، ولكن أشير عليه أن يفرغ من هذه الفئة التي خرجت عليه ، وجعلت تفسد في الأرض وتسفك الدماء، ترى كل من تبع عليا ومعاوية كافرا حلال الدم والمال.
وقد أرسل علي إلى الخوارج عبد الله بن العباس ليحاورهم ويحاول إقناعهم بالرجوع إلى الجماعة، ولكن ابن عباس لم يصنع شيئا. فذهب إليهم علي بنفسه فناظرهم وأقنع كثيرا منهم بالرجوع، ولكن آلافا منهم أبوا عليه فاضطر إلى قتالهم، فقاتلهم وظهر عليهم، وهم بعد ذلك بالمضي إلى الشام، ولكن المنافقين من أصحابه أشاروا عليه بالعودة إلى الكوفة ليصلحوا من أمرهم بعد هذه الموقعة، وليذهبوا إلى عدوهم بما ينبغي لهم من العدة والعدد. فعاد بهم إلى الكوفة ولكنه لم يخرج منها: تفرق أصحابه إلى أهلهم وأقبلوا على أعمالهم، وزهدوا في الحرب حتى أيئسوا عليا منهم، فجعل يدعوهم ويلح في دعائهم، ولكنهم لا يسمعون منه ولا يستجيبون لدعائه، حتى قال ذات يوم في خطبة له: «لقد أفسدتم علي رأيي بالعصيان حتى قالت قريش: ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم! ومن يكون أعلم بها مني؟» ثم أنشد - فيما زعم الرواة - هذين البيتين:
تلكم قريش تمناني لتقتلني
فلا وربك ما بروا وما ظفروا
فإن قتلت فرهن ذمتي لهم
بذات ودقين لا يعفو لها أثر
وكثيرا ما كان علي - رحمه الله - يحرض أصحابه على القتال ويثيرهم إليه ويتهمهم بالجبن تحميسا لهم حتى أنشدهم ذات يوم البيت القديم:
القوم أمثالكم لهم شعر
في الرأس لا ينشرون إن قتلوا
صفحة غير معروفة