وقد وجد له عمرو بن العاص مخرجا من هذا الحرج، فاقترح أن ترفع المصاحف على الأسنة، وأن يدعى علي وأصحابه إلى كتاب الله يحتكمون إليه، فيحقون ما أحق ويبطلون ما أبطل. وجازت الحيلة على كثير من أصحاب علي، وعلى أهل اليمن منهم خاصة فاستكرهوا عليا على الهدنة. وحاول علي أن يمتنع عليهم وعرف أنها خدعة، ولكن أهل اليمن أبوا إلا قبول الهدنة وأنذروا عليا؛ فاضطر كارها إلى الإذعان لرأي الكثرة من أصحابه، وتقررت الهدنة بين الفريقين، على أن يرسل كل فريق منهم حكما يرضاه، وعلى أن يجتمع هذان الحكمان فيقضيان بما قضى به القرآن بين الفريقين المختصمين. واشتد معاوية وأصحابه في كتاب الهدنة، فأبوا أن يلقب علي نفسه أمير المؤمنين، واضطر علي إلى أن يمحوها، وذكر صلح الحديبية حين أبت قريش على النبي في كتاب الهدنة أن يسمي نفسه رسول الله، فمحا هذا الوصف واكتفى باسمه. ولست أدري أتفاءل علي حين ذكر يوم الحديبية أم لا. ولكن عاقبة الهدنة على كل حال لم تشبه عاقبة الهدنة التي أمضاها النبي
صلى الله عليه وسلم
مع أهل مكة، كانت عاقبة هدنة الحديبية فتحا قريبا ونصرا مؤزرا، وكانت عاقبة الهدنة في صفين فرقة واختلافا على علي أي اختلاف. وفي هذه المواقع التي كانت بصفين قتلت ألوف كثيرة من المسلمين من أهل العراق وأهل الشام.
وكان بين قتلى أصحاب علي عمار بن ياسر الذي كان يقاتل في حماسة أي حماسة، وهو شيخ قد بلغ التسعين أو جاوزها. وكان يقاتل عن إيمان أي إيمان بأنه يدافع عن الحق، وكان يرتجز:
نحن ضربناكم على تنزيله
واليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق إلى سبيله
وكان يوم قتل يحرض الناس ويقول: من رائح إلى الجنة؟ اليوم ألقى الأحبة: محمدا وحزبه.
صفحة غير معروفة