بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله ذي القدرة والسلطان، والكرم والإحسان، والعرش المجيد، المبدئ المعيد، الذي رسم الشريعة ونهى عن الخديعة، وأمر بالعلم والعمل، ونهى عن الزلل والخلل. أحمده حمد من اعترف بآلائه، وإذ عن بشكره ونعمائه، وتحلى بالعبادة، وتزين بالقيام بحق السيادة. وصلى الله على سيد الأنام وإمام الأصفياء محمد وعلي بن أبي طالب وعترته وأماجد دوحته، وسلم وكرم. أما على أثر ذلك: أطال الله للحضرة العالية المظفرة المنصورة الوزيرية الاجلية، السعادة والبقاء، وأدام لها السلطان والعلاء والقدرة، وكبت الحسدة لها والأعداء. فإن أحق ما اشتغل به العارفون، وعمل به العاملون، لرسوم الشرعية والأحكام الحنفية. إذ بها ينال جزيل الثواب، وبها يبلغ حميد المآب، وهي: شكر المنن وجلاء الحزن.
صفحة ٢٧
وقد عزمت على جمع كتاب مختصر يجمع كل رسم ويحوي كل حتم من الشريعة. وأتيته على القسمة ليتقرب حفظه ويسهل درسه، ومن الله استمد المعونة والتسديد. وإياه اسئل أن يجعل ذلك خالصا لوجهه، ومقربا منه بمنه وجوده. وهو حسبي ونعم الوكيل.
أقول أولا:
إن الرسوم الشرعية تنقسم قسمين: عبادات ومعاملات. فالعبادات تنقسم ستة أقسام: طهارة، وصلاة، وصوم، وحج، واعتكاف، وزكاة. والمعاملات تنقسم قسمين: عقود وأحكام. فالعقود: النكاح وما يتبعه، والبيوع وما يتبعها، والإجارات وأحكامها، والإيمان، والنذر، والعتق، والتدبير، والمكاتبة، والرهون، والوديعة، والعارية، والمزارعة، والمساقاة، والضمانات، والكفالات، والحوالات، والوكالات، والوقوف، والصدقات، والهبات، والوصايا. فإن قيل ان العقود التي هي الإيمان والنذر إيقاعات: دخل مع هذا الطلاق والعتاق، وما في حكمها. وما عدا ذلك أحكام. وهذا القسم يشتمل على كتب شتى نبينها عند المصير إليها بعون الله تعالى.
صفحة ٢٨
[القسم الأول العبادات]
كتاب الطهارة
صفحة ٢٩
الطهارة على ضربين: صغرى وكبرى. فالصغرى على ضربين:
واجب وندب، فما يؤدى به الواجب فهو واجب، وما يؤدى به الندب فهو ندب أو يكون لدخول موضع شريف أو للنوم أو لما ندب إليه من الكون على الطهارة فهو ندب.
ثم تنقسم أحكامها إلى أقسام خمسة: منها ما يتطهر منه من الأحداث، وما يتطهر به من المياه، وما يقوم مقامها عند عدمها أو تعذر استعمالها، وكيفية الطهارة، ونواقضها.
ذكر: ما يتطهر منه الأحداث
لا وضوء إلا من الغائط، والبول، والنوم الغالب على العقل، وما في معناه مما يذهب العقل، أو ريح. وما عدا ذلك فليس يوجب الوضوء منه. فهذه نواقض طهارة الصغرى.
وهذه الأحداث لها أحكام وهي على ضربين: واجب وندب. فالواجب الاستنجاء للغائط وغسل رأس الإحليل من البول. والندب على ضربين:
أدب وذكر. ورتبة الأدب مقدمة. فمن أراد الغائط يطلب ساترا يتخلى
صفحة ٣١
فيه، ولا يكونن شط نهر، ولا في نزال، ولا مسقط ثمار، ولا جادة طريق، ولا مورد المياه، ولا في جاري المياه، ولا في راكدها، ولا يكونن مكشوف الرأس وليقدم رجله اليسرى قبل اليمنى عند دخوله إليه.
وليقل: «بسم الله وبالله أعوذ بالله من الرجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم». ويجلس غير مستقبل القبلة، ولا مستدبرها. فان كان في موضع بني على استقبالها أو استدبارها فلينحرف في قعوده. هذا إذا كان في الصحاري والفلوات، وقد رخص [1] ذلك في الدور وتجنبه أفضل. وقد قيل [2] أنه لا يستقبل الشمس والقمر ولا يستدبرهما. وليتجنب الكلام الذي لا تدعو إليه حاجة، إلا أن يكون شكرا لله تعالى، أو صلاة على النبي (ص) إذا سمع ذكرها، أو حكاية مؤذن عند سماعه. وإذا قضى حاجته فليمسح بإصبعه الوسطى تحت قضيبه من أصله من تحت أنثييه ثلاثا ثم ينتر قضيبه ثلاثا فيما بين السبابة والإبهام وهو يتنحنح ثلاثا. فان كان يريد إدخال يده في الإناء، فليغسلها مرتين، ثم يدخلها فيه، ويستنجي باليسرى حتى يطهر الموضع وإذا تعدى الغائط المخرج، فليس يجزى إلا الماء مع وجوده، فان لم يتعد: فليستنج بثلاثة أحجار، ولا يجزي إلا ما كان أصله الأرض
صفحة ٣٢
في الاستجمار. والجمع بين الماء والأحجار أفضل. فإذا قام من مكانه مسح بيده اليمنى بطنه وقال: «الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى، الحمد لله الذي رزقني ما به اغتذيت وعرفني لذته وأبقى في جسدي قوته، وأماط عني أذيته، يا لها نعمة- يقولها ثلاثا- لا يقدر القادرون قدرها». ثم يخرج مقدما رجله اليمنى.
ومن كان في يده خاتم فيه اسم من أسماء الله تعالى أو من أسماء رسله (ص) والأئمة الطاهرين (ع) وكان في اليسرى فلا يتركه عنه الاستنجاء فيها. ولا يستاك وهو على الغائط. ومن أراد البول فلا يبولن في صلب الأرض، ولا في راكد الماء. ولا يستقبل ببوله الريح. ولا يبولن في حجرة الحيوان ومواطن الهوام. وكراهية بوله في جاري الماء دون كراهية ذلك في راكده.
ولا يستقبل أيضا بفرجه الشمس ولا القمر وقد بينا كيفية الاستبراء منه.
ولا يجزي في البول غير الماء مع وجوده، ويجوز أن يغسل البول بمثلي ما عليه من الماء مع قلته. وليغسل يده قبل إدخالها الإناء إذا بال مرة واحدة.
وكذلك إذا قام من النوم.
ذكر: ما يتطهر به، وهو المياه
الماء على ضربين: ماء مطلق وماء مضاف. فالمطلق طاهر مطهر.
والماء المضاف على ضربين: مضاف لم تسلبه الإضافة إطلاق اسم الماء، وهو على ضربين: مضاف إلى الاستعمال، ومضاف إلى جسم لاقاه. فالمضاف إلى الاستعمال إذا علم خلوه من النجاسات: كان طاهرا مطهرا، سواء
صفحة ٣٣
استعمل في الطهارة الصغرى أو الكبرى. وفي أصحابنا [1] من قال: إذا استعمل في الكبرى لم يجز استعماله. أما المضاف إلى الجسم فما يكون ملونا بقليل الزعفران فهو أيضا طاهر مطهر، ومضاف سلبته الإضافة إطلاق اسم الماء. وهو على ضربين: مضاف إلى طاهر، ومضاف إلى نجس.
فأما المضاف إلى طاهر كماء الورد والزعفران الكثير والآس والمرق وما في معناه: فإنه طاهر غير مطهر، لا يجوز الوضوء به.
وأما المضاف إلى النجس: فليس بطاهر ولا مطهر، ولا يجوز شربه ولا استعماله- إلا أن يدعو إلى استعماله ضرورة. وهو على ثلاثة أضرب:
أحدهما: يزول حكم نجاسته بإخراج بعضه.
والآخر: يزول بزيادته.
والآخر: لا يزول حكم نجاسته على وجه.
فالأول: مياه الآبار- وهي تنجس بما تقع فيها من نجاسة، أو موت ما نذكره. وتطهر بإخراج ما تجده، فنقول:
إن تطهيرها على ثلاثة أضرب :
أحدها: ينزح جميع مائها، والآخر: ينزح كر، والآخر: ينزح دلاء معدودة.
صفحة ٣٤
فأما الأول: إذا مات فيها بعير، أو وقع فيها مسكر، أو دم حيض أو نفاس أو استحاضة، أو فقاع، أو مني، أو تغير لونها أو رائحتها أو طعمها بالنجاسة، فإنه: ينزح جميع مائها. فإن تعذر ذلك لغزارته:
تراوح عليها أربعة رجال- من أول النهار إلى آخره.
وأما الثاني الذي ينزح منه كر: فإن تموت فيها بقرة أو حمار أو فرس وما أشبه ذلك- ولم يغير أحد أوصافها بموته فيها، فان قل ذلك عن كر:
نزح جميعه.
وأما الثالث الذي ينزح دلاء معدودة، فعلى ثمانية أضرب:
منه: ما ينزح له سبعون دلوا. ومنه: ما ينزح خمسون دلوا. ومنه: ما ينزح منه أربعون دلوا. ومنه: ما ينزح منه عشرة دلاء. ومنه: ما ينزح له سبعة دلاء. ومنه: ما ينزح له خمسة دلاء. ومنه: ما ينزح له ثلاثة دلاء. ومنه: ما ينزح له دلو واحد فالأول: الإنسان. والثاني: ان يقع فيها عذرة رطبة أو كثير الدم والثالث: ان يقع فيها الغزال والكلب والخنزير والشاة والسنور والثعلب، وما في قدر ذلك، ولبول الرجال فيها. والرابع: العذرة اليابسة، وقليل
صفحة ٣٥
الدم الذي ليس بدم حيض أو نفاس- فقليل ذلك ككثيره فيما ذكرناه في الحكم. الخامس: الدجاجة والحمامة وما في قدر جسمها، والفأرة إذا تفسخت وانتفخت، ولبول الصبي فيها، ولارتماس الجنب، والكلب إذا خرج حيا. والسادس: لذرق جلال الدجاج. والسابع: للفأرة- إذا لم تتفسخ، ولم تنتفخ، ولموت الحية. والثامن: لموت الوزغة والعصفور وما أشبههما.
وأما ما يزول حكم نجاسته بزيادته، فهو أن يكون الماء قليلا وهو راكد في أرض أو غدير أو قليب- فإنه ينجس بما تقع فيه من النجاسة.
وحد القليل. ما نقص عن كر. والكر: الف ومائتا رطل فإذا زاد زيادة تبلغه الكر أو أكثر من ذلك: طهر. وكذلك الجاري إذا كان قليلا، فاستولت عليه النجاسة- ثم كثر حتى زال الاستيلاء، فإنه يطهر.
ولا تنجس الغدران إذا بلغت الكر، إلا بما غير أحد أوصافها .
وأما ما لا يزول حكم نجاسته، فهو: ماء الأواني والحياض، بل يجب إهراقه وإن كان كثيرا.
ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات: أولاهن بالتراب. ويغسل من غير ذلك مرة واحدة، إلا آنية الخمر خاصة، فإنها تغسل سبع مرات بالماء.
وأما ما لا نفس له سائلة كالجراد والذباب، فلا ينجس بوقوعه ولا بموته الماء.
واعلم: ان الماء في الأصل على الطهارة، وهو على ثلاثة أضرب:
جار، وما له حكم الجاري، وراكد.
صفحة ٣٦
فالجاري: لا يتنجس إلا ما يستولي عليه من النجاسة. وكذلك ما له حكم الجاري من ماء الحمام.
وأما ما ليس له حكم الجاري والراكد من ماء الآبار، فقد بينا حكمه.
وأما الأسئار، فعلى ثلاثة أضرب: طاهر، ونجس، ومكروه.
فسؤر كل شيء طاهر، طاهر. وسؤر كل شيء نجس، نجس.
والمكروه: سؤر جلال البهائم والجوارح، وما يجوز أن يأكل النجاسة، والحائض التي ليست بمأمونة.
فأما ما يقوم مقام المياه عند عدمها: فالتراب، وما رسمت الشريعة ان يكون في حكم التراب. وسنبين حكمه إنشاء الله تعالى.
ذكر: كيفية الطهارة الصغرى اعلم، ان كيفية الطهارة الصغرى يشتمل على واجب وندب.
فالواجب منه: النية، وغسل الوجه: من قصاص الشعر إلى محادر شعر الذقن طولا، وما دارت عليه الوسطى والإبهام عرضا، وغسل اليدين:
من المرفقين إلى أطراف الأصابع وإدخال المرفق في الغسل مرة، والمسح في مقدم الرأس بالبلة الباقية من اليد مقدار إصبع أقله، وأكثره ثلاثة أصابع
صفحة ٣٧
مضمونة، ومسح ظاهر القدم: من أطراف الأصابع إلى الكعبين اللذين هما معقد الشراك: بالبلة أيضا.
والترتيب واجب أيضا: الوجه قبل اليدين، واليد اليمنى قبل اليسرى، والرأس قبل الرجل، والرجل اليمنى قبل اليسرى.
وفي أصحابنا [1]: من لا يرى بين الرجلين ترتيبا.
والموالاة واجبة أيضا: وهو أن يغسل اليدين- والوجه رطب، ويمسح الرأس والرجلين- واليدان رطبتان: في الزمان والهواء المعتدلين.
وأن لا يستقل الشعر الذي في اليدين. فمن أخل بشيء مما ذكرناه بطل وضوءه.
وأما الندب، فيشتمل على ثلاثة أشياء: على زيادة في الكيفية، وعلى آداب، وعلى ذكر.
فأما الزيادة فهي: تكرار غسل الوجه واليدين مرة ثانية. وليس في الممسوح تكرار. والغسل للوجه بيد واحدة: وهي اليمنى. والمضمضة ثلاثا. والاستنشاق ثلاثا. والسواك في وضوء صلاة الليل من وكيد السنن.
ومسح الرجلين من الأصابع إلى الكعبين، لأن في بعض الروايات [2] إجازة مسحهما من الكعبين إلى الأصابع.
صفحة ٣٨
وأما الأدب: فهو أن يضع الإناء على يمينه ويقول إذا نظر: «الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا» ثم يقول «بسم الله وبالله». ويدخل يده اليمنى في الإناء بعد أن يغسلها على ما بيناه.
وأما الذكر: فبعضه ما مضى. والباقي أن يقول إذا تمضمض: «اللهم لقني حجتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك». وإذا استنشق قال «لا تحرمني من طيبات الجنان، واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وريحانها».
وإذا غسل وجهه قال: «اللهم بيض وجهي يوم تبيض فيه الوجوه، ولا تسود وجهي يوم تسود فيه الوجوه». وإذا غسل يده اليمنى، قال:
«اللهم أعطني كتابي بيميني، والخلد في الجنان بيساري، وحاسبني حسابا يسيرا، واجعلني ممن ينقلب إلى أهله مسرورا». وإذا غسل يده اليسرى، قال: «اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا وراء ظهري، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي». وإذا مسح رأسه قال: «اللهم غشني برحمتك وبركاتك وعفوك». وإذا مسح رجليه، قال: «اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تذل فيه الأقدام، واجعل سعيي فيما يرضيك عني يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين». فإذا أفرغ من الوضوء قال: «الحمد لله رب العالمين، اللهم اجعلني من الثوابين واجعلني من المتطهرين».
ولا فرق بين وضوء الرجال والنساء إلا في شيئين: أحدهما: أن المرأة تبدأ في غسل اليدين بباطنهما، والرجل بظاهرهما. وان تمسح رأسها من تحت قناعها مقدار أنملة في الظهر والعصر والعشاء الآخرة. وأما في المغرب والغداة، فتمسح على رأسها مقدار ثلاثة أصابع مضمومة.
ومن في يده خاتم ضيق يمنع من وصول الماء إلى ما تحته: فلينتزعه، وإن كان واسعا: أداره.
صفحة ٣٩
ثم يلحق بالواجب ما يعرض من سهو فيها، فتجب له الإعادة أو التلافي.
فمن ظن- وهو على وضوءه- أنه فعل ما يبطل الطهارة من حدث أو إخلال بواجب، فليعدها. وان كان ظنه، بعد قيامه- لم يلتفت إليه.
وكذلك، إن كان متيقنا للطهارة والحدث- وشك في أيهما سبق، أعاد.
وإن كان على يقين من الطهارة، ثم شك في انتقاصها، فليعمل على يقينه. وإن كان على يقين من الحدث وشك في الطهارة، فليتطهر.
وأما نواقض الطهارة الصغرى، فهي ما ذكرناه قبل: من البول والغائط والريح الخارجة من الدبر على وجه معتلا والنوم الغالب على العقل وما في حكمه. وما عدا ذلك فليس بناقض، إلا أن يخرج معه شيء مما ذكرناه، مثل الأشياف إذا خرجت متلطخة. ولو خرج شيء مما ذكرناه من غير السبيلين، لما نقض.
ذكر: الطهارة الكبرى وهي الغسل،
وهو على ضربين: واجب وندب.
فالواجب
على سبعة أضرب: غسل الجنابة، وغسل الحيض، وغسل الاستحاضة، وغسل النفاس، وغسل من مس موتى الآدميين: على إحدى الروايتين [1]، وتغسيل الأموات، وغسل من نعمه ترك صلاة الكسوف:
وقد انكسف القرص كله.
صفحة ٤٠
ولما كان لهذه الأغسال والمعرفة بها والنظر: تعلق بأحكام ما يوجب هذه الأغسال، وجب بيانه ببيانها.
ذكر: غسل الجنابة وما يوجبه
الجنابة تكون بأمرين: بإنزال الماء الدافق على كل وجه، وبالجماع في الفرج إذا غيبت الحشفة والتقى الختانان.
وما يلزم الجنب على ضربين: أفعال وتروك، فالأفعال على ضربين:
واجب وندب. فالواجب ان يستبرئ نفسه بالبول وينثر القضيب، فان تعذر البول فالنقر لا بد منه. فان رأى على إحليله بللا بعد الغسل وقد بال وفتر أو اجتهد فلا يعيدن غسله. وان لم يكن فعل ذلك اعاده.
صفحة ٤١
وليغسل المني من رأس إحليله ومن بدنه ان كان اصابه ذلك. ويغسل رأسه أولا مرة ونحلل شعره حتى يصل الماء تحته، ثم يغسل ميامنه مرة ومياسره مرة، ثم يفيض الماء على كل جسده. ولا يترك منه شعرة. وليمرر يده على بدنه.
والترتيب واجب. واما الموالاة فلا يجب ها هنا، فلو غسل رأسه غدوة وباقي جسده عند الزوال أو بعده لجاز.
وأما الندب: فالمضمضة والاستنشاق وتكرير الغسلات ثلاثا، وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ثلاثا.
وأما التروك فعلى ضربين أيضا: واجب وندب. فالواجب ان لا يقرأ سور العزائم وهي سجدة: «لقمان و«حم السجدة» و«النجم» «واقرأ باسم ربك»، ولا يمس كتابة فيها اسم الله تعالى، ولا القرآن، فان مس هامش المصحف أو صفح أوراقه وقرأ فيه فقد ترك ندبا أو فعل مكروها.
والندب: ان لا يمس المصحف، ولا يقرأ القرآن، ولا يقرب المساجد إلا عابر سبيل، ولا يترك شيئا فيها. فان كان له فيها شيء أخذه. ولا يرتمس في كثير الماء الراكد.
وله أن يصلي بغسله ما شاء من فرض ونفل ولا وضوء عليه: وهذا في الجنابة خاصة.
وباقي الأغسال واجبها وندبها لا بد فيه من الوضوء لاستباحة الصلاة.
وارتماسة واحدة في الماء يجزيه عن الغسل وترتيبه.
وغسل النساء كغسل الرجال سواء في كل شيء إلا في الاستبراء.
صفحة ٤٢
ذكر: حكم الحيض وغسله
الحيض دم غليظ يضرب إلى السواد يخرج بحرقة وحرارة.
وما يلزم الحائض على ضربين: فعل وترك. فالفعل أن تحتشي بالكرسف لئلا يتعدى الدم إلى ثيابها وتمنعه من التعدي، وتمنع زوجها من وطئها. وأما التروك فهو: ان تترك- أيام حيضها. وهي في أقله ثلاثة وأكثره عشرة أيام فيما بين ذلك من الصلاة والصيام. فإن رأته أقل من ثلاثة أيام فليس بحيض، وإن رأته أكثر من عشرة أيام فهو استحاضة.
وكل ما وجب تركه على الجنب فهو واجب عليها، وعليها أيضا أن لا تقرأ سور العزائم.
وأما الندب الذي يلزمها فعلى ضربين أيضا: فعل وترك.
فأما الفعل: فإن تتوضأ وضوء الصلاة في كل وقت صلاة وتجلس في المحراب وتسبح بقدر زمان القراءة في الصلاة.
وأما التروك فهي: أن تعتزل المساجد ومس ما فيه اسم الله تعالى وكل كتابة معظمة. فإن انقضت أيام حيضها فلتستبرئ بقطنة، وكذلك في وسط الأيام، فإن خرجت غير نقية فهي بعد حائض، لأن الكدرة والصفرة في أيام الحيض حيض، وان خرجت نقية بدأت بالاستبراء وغسل الفرج، ثم وضوء الصلاة، ثم تغتسل كاغتسال الجنب سواء. فان دعت الحاجة من بعلها إلى وطئها قبل الغسل عند النقاء فليأمرها بغسل فرجها قبل الوطي، فان وطئ في الحيض أثم. وعليه إذا وطئ في أوله كفارة دينار ويتممه
صفحة ٤٣
عشرة دراهم فضة، وان كان في وسطه نصف دينار. والوسط ما بين الخمسة إلى السبعة، وفي آخره ربع دينار.
وتقضي الحائض ما تتركه من الصيام دون الصلاة.
ذكر: حكم النفاس وغسله
النفاس هو: دم الولادة. وأكثره ثمانية عشر يوما، وأقله انقطاع الدم.
وحكم النفساء في الأفعال والتروك والغسل حكم الحائض، فلا إطالة بذكره، إلا أنه يكره للنفساء والحائض والجنب الخضاب بالحناء.
ذكر: الاستحاضة وغسلها
الاستحاضة مرض ترى فيه المرأة دما أصفر باردا رقيقا. وهو على ثلاثة أضرب: أحدها ان لا يرشح الدم على ما تحشي به، فعليها ها هنا تغيير الكرسف في كل وقت صلاة فريضة والخرق التي تشد بها، وتجديد الوضوء لكل صلاة. والأخرى: ان يرشح الدم على الكرسف وينفذ منه إلى الخرق فان لم يسل فعليها أن تغير الكرسف والخرق في كل وقت صلاة، وتتوضأ أو تغتسل: لصلاة الفجر خاصة. والثالث: ان يرشح وينفذ الدم ويسيل على الكرسف، وينفذ منه إلى الخرق: فعليها تغيير الكرسف والخرق في وقت كل صلاة، وعليها ثلاثة أغسال: أحدها للظهر والعصر، والآخر للمغرب والعشاء، والثالث لصلاة الليل والغداة ان كانت ممن تصلي الليل، والغداة وحدها ان لم تكن تصلى بالليل.
صفحة ٤٤
وغسلها كغسل الحائض سواء، إلا أنها تعتزل الصيام والصلاة في أيام حيضها المعتادة.
ولا حرج على زوجها في وطئها بعد فعل ما يجب عليها من الاحتشاء والغسل، إلا في أيام المعتادة للحيض.
وأما غسل من مس الميت فهو كغسل الجنب إلا أنه لا بد فيه من الوضوء.
ذكر: تغسيل الميت وأحكامه
تغسيل الميت وإن كان واجبا فهو من فروض الكفايات، فان قام به بعض سقط عن بعض. وهو على ضربين، أحدهما: الغسل فيه واجب على الميت نفسه قبل موته، والآخر يجب على غيره بعد موته إذا كان الميت معتقدا للحق.
ثم الموتى على ضربين: مقتول وغير مقتول. فالمقتول على أربعة أضرب:
مقتول بين يدي الإمام، ومقتول قتل لا بين يدي الإمام، ومقتول قتله سبع أو ما يجري مجراه، ومقتول في قود.
فالمقتول بين يدي الإمام على ضربين: مقتول في نفس المعركة، ومقتول في غيرها.
فالمقتول في المعركة: لا يغسل، ولا يكفن، ولا يحنط- بل يدفن بثيابه. ولا تنزع عنه إلا سراويله وخفه وقلنسوته: ما لم يصب شيئا منها دم. فإن أصابها دمه دفنت معه ولا تنزع. ويصلى عليه.
صفحة ٤٥
وأما من قتل في غير المعركة- وبه رمق ومات- فإنه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه. وكذلك حكم من قتله إنسان في غير جهاد.
فأما من قتله سبع- فهو على ضربين: إن وجد كله: غسل وكفن وحنط وصلى عليه. وان وجد منه بعضه. كان على ثلاثة أضرب: أحدها، أن يوجد ما فيه: صدره أو بعض صدره- فيكفن ويحنط ويغسل ويصلى عليه. والآخر، ان توجد منه قطعة فيها عظم غير عظم الصدر، فيغسل أيضا ويحنط ويكفن ولا يصلى عليه. والآخر، أن يوجد ما ليس فيه عظم: فيدفن من غير غسل ولا كفن ولا حنوط ولا صلاة.
فأما من يجب غسله عليه قبل هلاكه: فهو المقتول قودا. فإنه، يؤمر بالاغتسال والتكفين والتحنيط. فإذا قتل: صلى عليه ودفن.
وأما الميت حتف انفه، فهو على ضربين: أحدهما من مات في بطن أمه، والأخر من مات بعد الولادة.
فالأول على ضربين: أحدهما من له أربعة أشهر: فهو يغسل ويحنط ويكفن، ولا يصلى عليه. والآخر، أقل من أربعة أشهر: وهو يلف في خرقة، ويدفن بدمه من غير فعل شيء آخر.
فأما من مات بعد الولادة على ضربين: من له أقل من ست سنين، ومن له ست فما زاد.
فالأول: يغسل ويكفن ويحنط، فان صلي عليه: فندب غير واجب.
وأما الثاني: فعلى ضربين، أحدهما: يخشى من تغسيله لئلا يذهب من لحمه شيء كالمجدور والمجذوم والمحترق. فإنهم: ييممون. والآخر: يخاف ان يقطع الجلد: فإنه يصب عليه الماء صبا.
صفحة ٤٦
وكل منهما يحنط ويكفن ويصلى عليه.
واعلم: ان الميت لتجهيزه أحكام، وهي على ضربين: واجب وندب.
فالواجب: توجيهه إلى القبلة: يجعل باطن قدميه إليها ووجهه تلقاها.
وتغسيله مرة بماء القراح، وتكفينه بقطعة واحدة، والصلاة على من تجب الصلاة عليه، ودفنه، وتغسيله: كغسل الجنب في الترتيب وغيره.
فأما الندب: فإنه يلقن الشهادتين وأسماء الأئمة (ع) عند توجيهه وكلمات الفرج، وان تغمض عيناه، ويطبق فوه، وتمد يداه- إلى جنبيه- وساقاه، وتشد لحيته بعصابة. وإن مات ليلا: أسرج عنده مصباح، ويكون عند من يذكر الله تعالى. ولا يترك وحده. ولا يترك على بطنه حديدة.
فإذا أردت تغسيله: فخذ السدر والأشنان ونصف مثقال من حلال الكافور الخام، أو ما أمكن من الذريرة الخالصة، ومن الطيب شيئا وهي القمحة، ومن القطن رطلا أو أكثر. ويعد لحفوظه ثلاثة عشر درهما وثلثا من الكافور الخام.
فإن تعذر ذلك: فأربعة دراهم، فإن تعذر فمثقالا، فان تعذر فما تيسر.
ثم، يعد له من القطن شيء، ويعد الكفن، وهو: قميص ومئزر وإزار وخرقة، يشد بها سفلية إلى وركيه، ولفافة، وحبرة يمنية غير مذهبة، وعمامة.
ويستحب أن يزاد للمرأة لفافتين.
وأسبغ الكفن: سبع قطعات، ثم خمس، ثم ثلاث.
وقد بينا أن الواجب: واحدة.
وتعد معه جريدتان من جرائد النخل رطبتان: طولها قدر عظم الذراع،
صفحة ٤٧