فعلوا فإن انتهوا عن الكفر فإن الله غفور لهم ما قد سلف رحيم (192) بهم وقاتلوهم بالابتداء منهم في الحل والحرم حتى لا تكون فتنة أي كي لا توجد فتنة عن دينكم، أي وقد كانت فتنتهم أنهم كانوا يؤذون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة حتى ذهبوا إلى الحبشة، ثم واظبوا على ذلك الإيذاء حتى ذهبوا إلى المدينة وكان غرضهم من إثارة ذلك الفتنة أن يتركوا دينهم ويرجعوا كفارا، فأنزل الله تعالى هذه الآية. والمعنى قاتلوهم حتى تعلوا عليهم فلا يفتنوكم عن دينكم فلا تقعوا في الشرك ويكون الدين أي وكي يوجد الإسلام والعبادة لله وحده لا يعبدون في الحرم سواه فإن انتهوا عن قتالكم في الحرم فلا عدوان أي فلا سبيل لكم بالقتل إلا على الظالمين (193) أي المبتدئين بالقتل، أو المعنى فإن انتهوا عن الأمر الذي يوجب قتالهم وهو إما كفرهم أو قتالهم فلا قتل إلا على الذين لا ينتهون عن الكفر فإنهم بإصرارهم على كفرهم ظالمون أنفسهم الشهر الحرام الذي دخلت يا محمد فيه لقضاء العمرة وهو ذو القعدة من السنة السابعة مقابل بالشهر الحرام الذي صدوك عن دخول مكة وهو ذو القعدة من السنة السادسة. أي من استحل دمكم من المشركين في الشهر الحرام فاستحلوه فيه. والحرمات أي الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام قصاص أي يجري فيها بدل فمن اعتدى عليكم بالقتال في الحرم أو الإحرام أو الشهر الحرام فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم أي فجازوه بمثل ما اعتدى عليكم به واتقوا الله أي اخشوه بالابتداء واعلموا أن الله مع المتقين (194) بالنصرة والحفظ وأنفقوا في سبيل الله أي في طاعة الله لقضاء العمرة ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة أي ولا تلقوا أنفسكم إلى الهلاك بمنع النفقة في سبيل الله أو بالإسراف في النفقة أو بتضييع وجه المعاش وأحسنوا في الإنفاق على من تلزمكم مؤنته بأن يكون ذلك الإنفاق وسطا فلا تسرفوا ولا تقتروا. ويقال: وأحسنوا الظن في الله إن الله يحب المحسنين (195) أي يريد بهم الخير ويثيبهم نزلت الآيات من قوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله [البقرة: 190] إلى هاهنا في حق المحرمين مع النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء العمرة بعد عام الحديبية لأنهم خافوا أن يقاتلهم الكفار في الحرم والإحرام أو الشهر الحرام وكرهوا ذلك لأن القتال في ذلك الوقت كان محرما في تلك الأحوال الثلاثة.
وأتموا الحج والعمرة لله أي افعلوا الحج والعمرة على نعت التمام بأركانهما وشروطهما لله بأن تخلصوهما للعبادة ولا تخلطوهما بشيء من التجارة والأغراض الدنيوية فإن أحصرتم أي منعتم عن إتمامهما بعدو فما استيسر من الهدي أي فعليكم إذا أردتم التحلل ما تيسر من الهدي من بدنة أو بقرة، أو شاة لترك الحرم، واذبحوها حيث أحصرتم في حل أو حرم ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله أي وقت مجيء ذبحه وهو مكان الإحصار عند الشافعي لكن يندب إرساله إلى الحرم خروجا من خلاف أبي حنيفة، فإذا ذبحتم فاحلقوا. ويجب نية التحلل عند الذبح والحلق وبهما يحصل الخروج من النسك.
صفحة ٦٥