وصفة محمد صلى الله عليه وسلم كذبوه وكانوا أي اليهود من قبل أي من قبل مبعث محمد ونزول القرآن يستفتحون أي يسألون الفتح أي النصرة على الذين كفروا أي مشركي العرب أسد وغطفان ومزينة وجهينة وهم عدوهم يقولون: إذا دهمهم عدو: اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي الأمي. فلما جاءهم ما عرفوا من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به حسدا وخوفا على الرياسة. وقال ابن عباس وقتادة والسدي: نزلت هذه الآية في شأن نبي قريظة والنضير، كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثه يقولون لمخالفيهم عند القتال: هذا نبي قد قرب زمانه ينصرنا عليكم فلعنة الله على الكافرين (89) أي إبعاد الله من خيرات الآخرة عليهم بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله أي بئس الشيء شيئا اشتروا به أنفسهم، كفرهم بالقرآن المصدق للتوراة، أي إن هؤلاء اليهود لما اعتقدوا أنهم بما فعلوه خلصوا أنفسهم من العقاب وأوصلوها إلى الثواب فقد اشتروا أنفسهم به في زعمهم.
وقال الأكثرون: الاشتراء هاهنا بمعنى البيع لأن المذموم لا يكون إلا لما كان حاصلا لهم، لا لما كان زائلا عنهم، والمعنى باعوا أنفسهم بكفرهم، لأن الذي حصلوه على منافع أنفسهم هو الكفر فصاروا بائعين أنفسهم بذلك، لكن لما كان الغرض بالبيع والشراء إبدال ملك بملك، صلح أن يوصف كل واحد من المتبادلين بأنه بائع ومشتر لوقوع هذا المعنى من كل واحد منهما. بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده أي حسدا على أن ينزل الله النبوة بفضله على محمد وطلبا لما ليس لهم أي فإنهم ظنوا أن هذا الفضل العظيم بالنبوة المنتظرة يحصل في قومهم، فلما وجدوه في العرب حملهم ذلك على الحسد، وقد أجاز العلماء أن يكون بغيا مفعولا له ناصبه «أن يكفروا» ، وأن ينزل الله مفعولا له وناصبه «بغيا» ، فباؤ بغضب على غضب أي فاستحقوا لعنة بعد لعنة لأمور صدرت عنهم وللكافرين عذاب مهين (90) أي يهانون بالعذاب الشديد بخلاف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه
وإذا قيل لهم أي وإذا قال المؤمنون لليهود الموجودين في زمن نبينا: آمنوا بما أنزل الله أي بكل ما أنزل الله من الكتب الإلهية جميعا قالوا في جواب هذا القيل: نؤمن بما أنزل علينا أي بما أنزل على أنبيائنا من التوراة وكتب سائر الأنبياء الذين أتوا بتقرير شرع موسى عليه السلام ويكفرون بما وراءه فأخبر الله تعالى عنهم بأنهم يكفرون بما بعده وهو الإنجيل والقرآن وهو أي ما وراء ما أنزل على نبيهم من الإنجيل والقرآن الحق مصدقا لما معهم أي موافقا بالتوحيد لكتبهم قل لهم يا أشرف الخلق إلزاما وبيانا لكفرهم بالتوراة التي ادعوا الإيمان بها فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين (91) والمعنى إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما زعمتهم فلأي شيء كنتم تقتلون أنبياء الله من قبل لأن في التوراة تحريم القتل وذلك لأن التوراة دلت على أن المعجزة تدل على الصدق، ودلت على أن من كان صادقا في ادعاء النبوة فإن قتله كفر، وإذا كان الأمر كذلك كان السعي في قتل
صفحة ٣٢