مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
محقق
محمد أمين الصناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
رقم الإصدار
الأولى - 1417 هـ
تصانيف
يوم القيامة عن عبده التائب، ويصلح بينه وبينه ولو سلم القاتل نفسه اختيارا من غير ندم وتوبة أو لم يمكن من نفسه بل قتل كرها فيسقط حق الوارث فقط ويبقى حق الله تعالى، لأنه لا يسقطه إلا التوبة ويبقى حق المقتول أيضا ويطالبه به في الآخرة، لأن القاتل لم يسلم نفسه تائبا ولم يصل منه للمقتول شيء ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون (45) بالتقصير في حق النفس لإبقاء النفس في العقاب الشديد والتدين بترك حكم الله نهاية الظلم وهو الكفر لإنكار نعمة الله تعالى وجحدها وقفينا على آثارهم أي أتبعنا على آثار النبيين الذين يحكمون بالتوراة بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه أي لما قبل عيسى مما أتى به موسى من التوراة ومعنى كون عيسى مصدقا للتوراة أنه أقر بأنه كتاب منزل من عند الله تعالى وأقر بأنه كان حقا واجب العمل به قبل ورود النسخ وآتيناه الإنجيل فيه هدى لاشتماله على الدلائل الدالة على التوحيد والتنزيه وبراءة الله تعالى عن الزوجة والولد والمثل والضد وعلى النبوة وعلى المعاد ونور لأنه بيان للأحكام الشرعية ولتفاصيل التكاليف ومصدقا لما بين يديه أي قبل الإنجيل من التوراة وهذا المنصوب معطوف على محل فيه هدى وهو النصب على الحال، أي موافقا لما في التوراة من أصول الدين ومن بعض الشرائع ومن كون الإنجيل مبشرا بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وهدى لاشتماله على البشارة بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم فهو سبب لاهتداء الناس إلى النبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهذه المسألة أشد المسائل احتياجا إلى البيان فالإنجيل يدل دلالة ظاهرة عليها لكثرة المنازعة بين المسلمين واليهود والنصارى في ذلك وموعظة للمتقين (46) لاشتماله على النصائح والزواجر وإنما خص الموعظة بالمتقين لأنهم الذين ينتفعون بها وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه من الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومن الأحكام التي لم تنسخ بالقرآن فإن الحكم بالأحكام المنسوخة ليس حكما بما أنزل الله فيه بل هو تعطيل له إذ هو شاهد بنسخها لأن شهادته بصحة ما ينسخها من الشريعة شهادة بنسخها.
وقرأ حمزة «وليحكم» بكسر اللام ونصب الفعل بأن مضمرة بعد لام كي وهو متعلق بمقدر. أي وآتيناه الإنجيل ليحكموا به. وقرأ الباقون «وليحكم» بسكون اللام وجزم الفعل بلام الأمر ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (47) أي الخارجون عن الإيمان إن كان مستهينا به وعن طاعة الله إن كان لاتباع الشهوات وأنزلنا إليك الكتاب أي القرآن بالحق أي ملتبسا بالصدق والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من الكتاب أو من فاعل أنزلنا أو من الكاف في إليك مصدقا لما بين يديه أي لم تقدمه من الكتاب أي من كل كتاب نزل من السماء سوى القرآن ومهيمنا عليه أي شاهدا على الكتب كلها، لأن القرآن هو الذي لا ينسخ ولا يتطرق إليه التبديل والتحريف وإذا كان كذلك كانت شهادة القرآن على سائر الكتب بالصدق باقية.
صفحة ٢٧٢