وقرأ حمزة والكسائي بفتح الحاء والسين. وقرئ قراءة شاذة حسنا بضمتين وحسنى كبشرى، والقول الحسن هو الذي يحصل انتفاعهم به. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة والمراد بالصلاة والزكاة ما فرض عليهم في ملتهم. فقبلتم ذلك الميثاق المذكور ثم توليتم أي أعرضتم عن الوفاء بالميثاق إلا قليلا منكم أي آباءكم وهو من أقام اليهودية على طريقها قبل النسخ ويقال: إلا قليلا منكم وهم من أسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه وأنتم معرضون (83) عن الطاعة كآبائكم وإذ أخذنا ميثاقكم أي واذكروا يا أيها اليهود المعاصرون لمحمد صلى الله عليه وسلم وقت أن أخذنا الميثاق على آبائكم في التوراة لا تسفكون دماءكم أي لا يقتل بعضكم بعضا ولا تخرجون أنفسكم من دياركم أي لا يخرج بعضكم بعضا من منازلكم يا بني قريظة والنضير ثم أقررتم بوجوب المحافظة على الميثاق وأنتم تشهدون (84) أي تعلمون ذلك ثم أنتم هؤلاء أي هؤلاء الحاضرون بعد ذلك تقتلون أنفسكم أي يقتل بعضكم بعضا وتخرجون فريقا منكم من ديارهم أي من منازلهم ذلك الفريق تظاهرون عليهم.
قرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الظاء. والباقون بالتشديد أي يعاون بعضكم بعضا بالإثم أي المعصية والعدوان أي التجاوز في الظلم وإن يأتوكم أسارى أي أسارى أهل دينكم تفادوهم بالمال أو غيره. أي وإن يقع ذلك الفريق الذي تخرجونه من دياره وقت الحرب حال كونه أسيرا في يد حلفائكم تفدوه. قرأ حمزة «أسرى» بفتح الهمزة وسكون السين مع الإمالة. وقرأ عاصم والكسائي «تفادوهم» بضم التاء وفتح الفاء. والباقون بفتح التاء وسكون الفاء. وهو أي الشأن محرم عليكم إخراجهم.
قال السدي: إن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة الميثاق أن لا يقتل بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه وأعتقوه.
وكان قريظة والنضير أخوين كالأوس والخزرج، فافترقوا فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج حين كان بينهما ما كان من العداوة، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه فإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم منها، ثم إذا أسر رجل من الفريقين فدوه كما لو أسر واحد من النضير ووقع في يد الأوس افتدته قريظة منهم بالمال، وهكذا يقال في عكس ذلك فعيرتهم العرب وقالت: كيف تقاتلونهم ثم تفدوهم. فيقولون: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ولكن نستحي أن تذل حلفاؤنا فذمهم الله تعالى بقوله: أفتؤمنون ببعض الكتاب أي تفعلون بعض الواجبات وهو المفاداة وتكفرون ببعض أي فلم تتركوا المحرم وهو القتال والإخراج والمعاونة فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي أي ذم عظيم وتحقير بالغ في الحياة الدنيا فكان خزي قريظة القتل والسبي وقد قتل صلى الله عليه وسلم منهم سبعمائة في يوم واحد، وخزي بني
صفحة ٣٠