مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
محقق
محمد أمين الصناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
رقم الإصدار
الأولى - 1417 هـ
تصانيف
الذين يتكرر منهم الكفر بعد الإيمان مرات، ثم ماتوا على الكفر. أو المعنى إن الذين أظهروا الإسلام ثم كفروا بكون باطنهم على خلاف ظاهرهم، ثم آمنوا بألسنتهم فكلما لقوا جمعا من المسلمين قالوا: إنا مؤمنون وإنما أظهروا الإيمان لتجري عليهم أحكام المؤمنين، ثم كفروا فإذا دخلوا على شياطينهم قالوا: إنا معكم إنما نحن مستهزئون. ثم ازدادوا كفرا باجتهادهم في استخراج أنواع المكر في حق المسلمين وبموتهم على الكفر لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا (137) فإن كل من كان كثير الانتقال من الإسلام إلى الكفر لم يكن للإسلام في قلبه عظم فلا يتوب عن الكفر حتى يموت عليه بشر المنافقين أي أنذرهم بأن لهم عذابا أليما (138) الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أي فإن المنافقين يوالون اليهود ويقول بعض المنافقين:
لبعض لا يتم أمر محمد فتولوا اليهود فيقولون: إن العزة لهم أيبتغون أي أيطلب المنافقون عندهم العزة أي عند اليهود القوة فإن العزة لله جميعا (139) أي إن القدرة الكاملة لله وكل من سواه فبإقداره صار قادرا وبإعزازه صار عزيزا. فالعزة الحاصلة للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين لم تحصل إلا من عند الله تعالى فكان الأمر عند التحقيق أن العزة جميعا لله وقد نزل عليكم يا معشر المنافقين في الكتاب أي القرآن في سورة الأنعام قبل هذا بمكة أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها أي أنه إذا سمعتم آيات الله مكفورا بها ومستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره أي الكفر والاستهزاء. وذلك قوله تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم [الأنعام: 68] الآية وهذا نزل بمكة لأن المشركين كانوا يخوضون في القرآن ويستهزئون في مجالسهم، ثم إن أحبار اليهود بالمدينة كانوا يفعلون مثل فعل المشركين والقاعدون معهم والموافقون لهم على ذلك الكلام المنافقون فقال تعالى مخاطبا للمنافقين:
وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها أي إذا سمعتم آيات الله حال ما يكفر بها ويستهزأ بها إنكم إذا مثلهم أي إنكم أيها المنافقون مثل أولئك الأحبار في الكفر، قال أهل العلم: هذا يدل على أن من رضي بالكفر فهو كافر ومن رضي بمنكر يراه وخالط أهله، وإن لم يباشر كان في الإثم بمنزلة المباشرة أما إذا كان ساخطا لقولهم وإنما جلس على سبيل التقية والخوف فالأمر ليس كذلك. فالمنافقون الذين كانوا يجالسون اليهود وكانوا يطعنون في الرسول والقرآن هم كافرون مثل أولئك اليهود. أما المسلمون الذين كانوا بمكة يجالسون الكفار الذين كانوا يطعنون في القرآن فإنهم كانوا باقين على الإيمان فهم كانوا يجالسون الكفار عند الضرورة بخلاف المنافقين فإنهم كانوا يجالسون اليهود مع الاختيار إن الله جامع المنافقين أي منافقي أهل المدينة عبد الله بن أبي وأصحابه والكافرين أي كفار أهل مكة أبي جهل وأصحابه وكفار أهل المدينة كعب وأصحابه في جهنم جميعا (140) أي كما أنهم اجتمعوا على الاستهزاء بآيات الله في الدنيا فكذلك يجتمعون في عذاب جهنم يوم القيامة
الذين يتربصون بكم
صفحة ٢٣٥