هذا هو ما قاله ابن رشد الفيلسوف المسلم الأندلسي قبل نحو 800 سنة وهذا هو ما أقوله وأكرره.
وإنه لمن تعس حياتي في مصر أني أحتاج، كي أبرر موقفي، أن أقول إن هذا أو ذاك، قد قال هذا الرأي الذي أقول به، قبل ثمانمائة أو سبعمائة سنة. فقد احتجت إلى أن أعتمد على الإمام ابن حزم في دعوته للحب، وأنه يجب أن يكون متعة الشباب وأساس الزواج وغاية الهناء. والآن أحتاج إلى أن أقول إن ابن رشد يقول إن آفاق البيت لا تكفي المرأة لأن ترتفع إلى الإنسانية؛ إذ يجب أن يتجاوز نشاطها بيتها إلى خدمة المجتمع والدولة.
وعلى الآنسة سيلفيا هيم أن تقرأ ابن رشد ... كما يجب على رجال التعليم عندنا أن يقرءوه، وأن يفكروا كثيرا قبل أن يشرعوا في تأسيس ما يسمونه «مدارس الثقافة النسوية». كأن النساء يختلفن عن الرجال في الثقافة، وكأن رجال التعليم عندنا قد وقفوا المرأة على خدمة البيت، وكأنهم قد قرروا قرارات حكومية ضد الطبيعة البشرية وانتهوا إلى أن المرأة يجب أن تعرف هذا وأن تجهل هذا.
إننا نسترشد في مصر بفلسفة مخطئة عندما نتحدث عن المرأة أو نعاملها أو نربيها؛ لأننا نحب أن تبقى أنثى ولا نكاد نبالي أن تكون إنسانا له آفاق الإنسان وتضحياته وواجباته، وهي لذلك تحيا الحياة المقصورة المحدودة. ولذلك لا نكاد نعرف الفضل الذي تسديه إلينا سيزا نبراوي، ودرية شفيق، ومنيرة ثابت، وإنجي أفلاطون، والعشرات والمئات غيرهن اللائي يحاولن أن يخدمن المجتمع والدولة كما نصح لنا ابن رشد الأندلسي.
يجب أن تكون لنا فلسفة عن المرأة المصرية بحيث لا ننشد مساواتها بالمرأة الأوربية فقط، بل نتجاوز هذه المساواة إلى آفاق إنسانية أبعد وأوفى، ويجب ألا يكون في قولي هذا ما يستغرب لأن المرأة الأوربية لا تزال دون المستوى الإنساني.
وصحيح أن المرأة الأوربية والأمريكية قد أصبحت تشارك الرجل في الكثير من مسئولياته الاجتماعية والإنسانية، ولكنها مع ذلك لم تبلغ مستواه. وقد أتاح استخدام القوة الكهربائية في المنزل الأميركي نشاطا اجتماعيا عظيما للمرأة الأميركية، لأن واجبات البيت لم تعد ترهقها كما هي الحال عند المرأة المصرية بل أحيانا المرأة الأوربية أيضا. ولكن التراث القديم الذي ورثته المرأة، في أوربا وأميركا، من رعاية الرجل وسيادته، لا يزال قائما تتفاوت درجاته فقط عندهم كما عندنا.
وكما قلت، يجب أن نذهب إلى أبعد مما ذهبت إليه المرأة في أوربا وأميركا؛ أي يجب أن ندفع المرأة إلى الآفاق الإنسانية. كما ندفع الأمة إلى الانتقال من حضارة الزراعة إلى حضارة الصناعة. وفي هذا الانتقال وحده نجد ما سوف يريحنا من صداع المناقشة عن حقوق المرأة وواجباتها؛ لأنه هو سيحقق هذه الحقوق والواجبات.
لقد بدأت مقالي بالمقارنة المحزنة بين زعمائنا وبين زعماء الهند، وما كتبته في 1931 مما أثار علي السخط.
والآن أسأل هذا السؤال: أينا على صواب، نحن أم الهنود في فلسفتنا عن المرأة؟
إنهم - أي الهنود - قد منحوا المرأة الهندية حقها في الانتخاب والترشيح للبرلمان، فصارت وزيرة وسفيرة ورئيسة، وارتفعت إلى الآفاق السياسية والاجتماعية. ونحن أبينا على المرأة المصرية ذلك. فأينا على صواب وأينا على خطأ؟ وكيف نقارن بهم بعد مائة سنة؟
صفحة غير معروفة