المقصور والممدود
لأبى على القالى
إسماعيل بن القاسم
٢٨٠ هـ - ٣٥٦ هـ
تأليف
أبي على إسماعيل بن القاسم البغدادى
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
/ قال أبو على إسماعيل: [بن القاسم البغدادى:
الحمد لله الذى تنزه عن الأشكال] وتعالى عن الأمثال، وتفرد [بالكبرياء، وتوحد بالسناء، الأول بلا ابتداء، والآخر] بلا انتهاء، العالم الذى لا يجهل، الجواد الذى لا يبخل، القادر الذى لا يعجز، العادل فى حكمه، المنصف لخلقه، الرءوف بعباده، المتنزه عن الجور، المتكبر عن الظلم، المحيط بكل شئ علما، المحصى كل شئ عددا، العزيز الذى لا يذل، الأبد الذى لا يضعف، الحافظ الذى لا ينسى، المخترع لما شاء. البصير الذى لا يستتر عنه شئ من المبصرات، السميع الذى لا يخفى عليه شئ من المسموعات، العطوف على من أناب إليه، المجير لمن استجار به، الناصر لمن استنصره، الغافر لمن استغفره، الصادق الذى لا يكذب. الحى الذى لا يموت، المجيب لمن دعاه، القريب ممن ناداه. عالم الخفيات، مقيل العثرات، مقدر الأقوات، محى العظام [الناخرة]، منشر الأجساد البالية، بارئ الرياح، ذارئ الأرواح، داحى السبع [التباع]، رافع السبع الطباق، منشئ الخلق، مسبب الرزق، الذى لا تحويه الأماكن ولا تكيفه الخواطر، ولا تحده الأوهام ولا تحيط به الأفهام، ولا تكتنهه الأفكار، ولا تدركه
1 / 3
الأبصار، ولا يحس بالحواس ولا يشبه بالناس، ولا يخفى عليه عدد الأنفاس ولا تعلم ذاته بقياس.
ذلك الله الذى لا إله إلا هو، الواحد القهار العزيز الجبار، الذى خضعت لجبروته الجبابرة، وعنت لعظمته الملوك الأعزة، وذلت له الصعاب، وخنعت له الرقاب، وخشعت لعزتة السموات، ورجفت من خشيته الجبال الراسيات، الذى هو أعلم منا بأسرارنا وأحوط [فى كل] وأرفق بنا من أمهاتنا، وأحسن إلينا صنيعا من أنفسنا، لا يأتى بالخير إلاه ولا يصرف السوء سواه، ما بنا وما بالخلق من نعمة فمن عنده. سبحانه من مالك ما [أرحمه] ومن سيد ما أكرمه، ومن جليل ما أعظمه، يغيث المضطر ويكشف الضر [ويكفى من توكل عليه، ويمنع عمن لجأ إليه.
٢/و... / الحمد لله الذى بعث محمدا على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، بالبرهان الساطع، والبيان اللامع، والحق الواضح، والصواب اللائح، والناس فى عمياء، قد استولت عليهم الأهواء المردية] وغلبتهم الآراء المضلة لا [ينعمون النظر فيظهر لهم] الصواب فيتبعوه، ولا يفكرون فينكشف لهم عن الخطأ فيجتنبوه، فصدع ﷺ بالحق وجاء بالصدق وبلغ ما حمل وانتهى إلى ما أمر، وقمع سلطان الجهالة، وأطفأ نيران الضلالة، ودمغ الكفر وأزل الشرك وأظهر الدين، وأعلن اليقين، حتى أقر له - جل وعز - بالربوبية، واعترف له بالوحدانية. اللهم فجازه بأفضل ما جازيت به أولياءك، وأتيه بأعظم ما أثبت به أصفياءك، وأعل درجته عندك وارفع منزلته لديك، واجعله لنا عندك شافعا مشفعًا ودليلا إلى جنتك هاديًا، ووفقنا للسداد واهدنا إلى الرشاد، واعف عنا عفوًا لا سخط بعده، وارحمنا رحمة توجب لنا بها رضوانك وجنتك يا أرحم الراحمين.
قال أبو على:
ثم أما بعد حمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله ﷺ، فإنى لم أزل بالعلم ضنينا وعلى إذاعته شحيحا، نفاسة به أن أبثه فى غير أهله، وصيانة له أن أودعه غير مستحقه مدة أيامى بالمشرق ومقامى بالعراق، إذ لم أر أحدًا من ولد العباس للعلم طالبا ولا فى الأدب راغبا، ولا لأهلها مشرفا ولا لحامله معظما، وإنما يرفع العاقل رفيع الجوهر فى أحرز الأماكن، ويودع البذر فى أخيل البقاع للنفع.
1 / 4
فأكننت الأدب فى صدرى عن من لا يعرف قدره، وصنت العلم تعظيما له عن من يجهل حقه، إذ هو أنفس الأعلاق عند أولى النهى، وأفضل الذخائر عند ذوى الحجى، وأشرف ما يفيده ذو علاء، وأسنى ما يكتسبه ذو سناء، عند كل من كمل لبه ورجح حلمه، وحسن فهمه، وصفا ذهنه، وكرم طبعه، وسمت هيئته، وثقبت فطنته.
وسهل عندى أن / أخاطر بمهجنى و[هان على أن أغرر بحشاشتى، وأخوض المتالف وأجوب المهالك وأباشر] الحنوف وأركب ظبات السيوف، رجاء أن أذيع العلم ببلد مشرفه وحرصا أن أبث الأدب] فى موضع محييه [أمير المؤمنين عبد الله عبد الرحمن بن حمد الناصر لديه المتمسك لسنة] نبيه، الخليفة المرتضى [الإمام المصطفى، ومن فضله كالنهر]، الذى لا يجهله ذو بصر، والشمس التى لا تخفى على بشر، وجداه أجدى من الجود، وحلمه أثبت من الطود، وهمته أعظم من الدنيا، وفضائله أكثر من أن تحصى، ومن أربى فى كل مجد، وزاد فى كل فضل، على آبائه الأمجاد، وأجداده الأجواد، الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، الذين ملكوا العباد، وعمروا البلاد، بالنفوس الكريمة، والهمم الرفيعة، والعطايا السنية، وشرف العلم وأهله، وأحب الأدب وحامله، أبقاه الله معافى فى جسمه، آمنا فى سربه، مذلا لأعدائه، معزًا لأوليائه، مسرورًا بملكه، مبتهجا بأيامه ما طرف ناظر وغرد فى فتن طائر، وأعز الإسلام بيمينه، ونصر الحق به وفى أيامه، وفتح الدنيا لبنى أمية على يده، حتى يقوم الخطباء بمكة وجميع أمصار الأرض داعين له هاتفين بفضائله عادين لمآثره، قاصين لمناقبه.
وأتقرب به إلى الحكم ولى عهد المسلمين، البدر الباهر، السراج الزاهر، الضياء اللامع، الحسام القاطع، الخطيب المصقع، الحاكم المصدع، العالم الذى برع فى كل علم، الكامل الذى حاز كل فهم، الليث الباسل، القمقام الباذل، الذى استرق الناس بجوده، وفاق الأنام بفضله، وحاز العلاء ببعد همته، فلا يدانيه أحد فى مجد، ولا يقاس به بشر فى فضل، ولا يقاربه جواد فى فعل، ما خلا الملك الأجل والخليفة الأفضل عبد الرحمن، أباه، فإنه النهاية فى الكرم التى لا تبلغ، والغاية فى الفضل التى لا تدرك، الفاضل غير المفضول، السابق غير المسبوق.
1 / 5
فمن الله تعالى بما رجوت، وبلغ إلى ما أملته إحسانًا منه إلى عبده، ورحمة منه للفقير إليه. فله الحمد على ما من وأولى، والشكر على ما سلم وعافى، ورأيت الشمس والغيث والطود والليث والكمال والتمام [فى ثباب أكرم الأنام الخليفة المنتجب والإمام المنتخب، وعاينت البدر لتمامه، والسيف فى مضائه والعلم بكماله / والفضل بأجمعه فى جثمان الحكم. وتواتر على من إنعامهما وتتابع لدى من أفضالهما ما صرت به واهيا] بعد أن [كنت مجتديا] فنشرت العلم حيث شرف وأذعت [الأدب حيث عرف]
وأمرنى ولى عهد المسلمين بتصنيف الكتب، وتأليف الأدب ومثل لى أمثلة احتذيت عليها، وأنهج لى سبيلا سلكتها، فرأيته أبقاه الله البحر الزاخر فى معرفته، والشهاب المتوقد في فطنته، والسابق المبر فى أدبه. فازددت معرفة بمشاهدته، وتكامل فهمى بمجاورته، واستمدت من بحره، وكرعت فى غمره. فكان مما بعثنى عليه وأمرنى به تأليف هذا الكتاب، الذى لا يستغنى عنه العالم المبرز ولا الأديب المتقدم، ولا الكاتب المرسل، ولا الخطيب المصلق، ولا الشاعر المقلق. إذ كل طائفة ممن ذكرنا محتاج إلى معرفة الممدود والمقصور، للفظ والخظ. فوجب أن نصنعه على الأمثلة ونؤلفه على الحروف على ما رسم أيده الله. ولا نعتمد فى ذلك إلا على أوائل الكلم دون حشوها وأواخرها، ليكون الأديب والمتأدب والعالم والمتعلم إذا أراد طلب كلمة طلبها بمثالها على النسق الذى نأتى به فى أول هذا الكتاب، أو بأول حرف فى الكلمة على ما نرتبه فى صدر هذا الديوان. ورأينا أن نذكر أولا ما يعرف من المقصور بالقياس، ثم نتبعه تثنية المقصور. وأن نبتدئ من الأمثلة بالثلاثى، لأن عليه جمهور الكلام، وبالمفتوحة الأوائل، لأن الفتحة أخف الحركات، إذ لا يتكلف لها إلا فتح الفم الذي لابد
1 / 6
للناطق منه، دون استعمال عضو، ولأنها أكثر. ثم بما حركات أوائلها الكسرات، لأن الكسرة دون الضمة فى الثقل، إذ يستعمل لها عضو واحد. ثم بما حركات أوائلها الضمات لأن الضمة أثقل الحركات، إذ يستعمل لها عضوان. وإنما فعلنا ذلك ليكون ابتداء القارئ بالخفيف الذى لا كلفة عليه فيه ثم بما فيه شئ من الثقل ثم بالثقيل. وأن نبين ما كان منها اسما لا غير وما كان منها / اسما وصفة، وما كان [منها صفة لا غير، وعدد الجميع منها، مع عدد كل نوع، فعدد] الجميع منها [سبعة وخمسون مثالا، منها خمسة وثلاثون أسماء وثلاثة عشر] أسماء وصفات وتسعة [صفات:
فعل: اسم وصفة، فالاسم مثل عصا ورحى والصفة غمى و] صرىز
فعل: اسم، مثل عوى [وهو قليل جدا فى المقصور]
فعلى: اسم وصفة، فالاسم علقى وسلمى، والصفة عبرى وعطشى وهو فى الصفة كثير جدا.
فعلى: منون اسم مثل علقى وأرطى ولا نعلمه جاء صفة إلا بالهاء قالوا: ناقة حلياة ركباة. كذا قال سيبويه.
فعلى: اسم وصفة فالاسم قلهى وأجلى والصفة جمزى وبشكى.
فعالى: مبدلة الياء فى الاسم مثل صحارى وذفارى، وغير مبدلة فى الصفة مثل كسالى وحبالى.
فعائل: اسم وصفة فالاسم أداوى وخطايا والصفة رزايا وهذا المثال لا يكون إلا للجميع خاصة.
فعلى: منون صفة مثل حبركى وجلعبى.
فعللى: اسم مثل جحجبى وقرقرى.
فعللى: صفة مثل قبعثرى وضبغطرى.
فعليلل: صفة مثل حفيسأ نذكره فى المهموز إن شاء الله.
فيعلى: اسم مثل خيرلى وهو قليل.
فوعلى: اسم مثل خوزلى وهو قليل أيضًا.
1 / 7
فعوللي: اسم نحو حبو كرى وهو قليل جدا لا نعلم من هذا المثال غيره.
فاعلى: اسم مثل باقلى.
فعولى: اسم مثل عدولى وهو قليل جدا لا نعلم من هذا المثال غيره.
فعلعل: اسم وصفة فالاسم شرورى، والصفة خجوجى.
فعليا: اسم مثل مرحيا وبرديا وهو قليل.
فعلوتى: اسم وهو قليل مثل رغبوتى ورهبوتى.
فعنلى: اسم مثل بلنصى.
فعنلى: منون قرنبى وعلندى اسمان والصفة حبنطى وسبندى.
فعللى: صفة مثل شفنترى.
فعنلل: صفة مثل حبنطأ نذكره فى المهموز إن شاء الله.
فعلنى: منون صفة وهو قليل نحو عفرنى.
أفعل: غير مصروف - اسم ولم يأت صفة - نحو أهوى.
أفعل: اسم نحو أفعى وأروى.
أفعلى: اسم مثل أجفلى.
مفعلى: صفة وهو قليل قالوا: مكورى.
مفعلى: اسم مثل مرعزى.
يفعلى: اسم مثل يهيرى.
***
فعل: اسم وصفة فالاسم حجى / [ورضى وهو فى الصفة قليل قالوا: قوم عدى ومكان سوى.
فعلى: اسم مثل ذفرى وذكرى ولم يأت صفة] [إلا حرف واحد وهو ضيزى].
[فغلى: منون اسم مثل ذفرى ولم يأت صفة إلا فى حرف رواه أحمد بن يحيى وهو كيصى.
1 / 8
فعلى: اسم مثل دفقى وسيطرى.
فعلى: اسم وصفة، فالاسم الزمكى والعبدى والصفة كمرى وخنفى].
فعلى: اسم للمصدر مثل هجبرى وحثيثى.
فعللى: اسم مثل هنديى وهو قليل جدًا.
فعلنى: منون اسم مثل عرضنى.
إفعل: اسم مثل إشفى وهو قليل جدا.
إفعلىك اسم مثل إيجلى وهو أيضًا قليل.
إفعيلى: اسم مثل إهجيرى وإجريا.
مفعلى: اسم مثل مرعزى.
مفعل: اسم مثل مهدى ومقلى.
***
فعل: منون اسم وصفة، فالاسم هدى وخطى والصفة عدى وسدى وهو فى المقصور صفة قليل جدًا.
فعل: منون صفة مثل عفى.
فعلى: اسم وصفة فالاسم بهمى و[حمى] والصفة حبلى وأنثى.
قال سيبويه: «ولا يكون فعلى والألف لغير التأنيث إلا أن بعضهم قال بهماة واحدة وليس بالمعروف».
فعلى: اسم مثل شعبى وأريى وهو قليل جدا.
فعالى: اسم مثل حبارى وسمانى، ولا يكون وصفًا إلا أن يكسر عليه الواحد للجمع مثل سكارى وكسالى.
فعالى: اسم مثل شقارى وحوارى. قال سيبويه: «ولا نعلمه صفة»
1 / 9
فعلى: اسم مثل سمهى وبدرى.
فعيلى: اسم مثل لغيرى وبقيرى.
فعلى: اسم مثل عرضى وهو قليل جدًا.
فعلى: اسم مثل حذرى وبدرى.
فعنلى: اسم مثل جلندى وهو قليل لا نعلم غيره.
فعنلى: منون صفة قالوا جمل علندى وهو قليل.
أفعلاوى: اسم مثل أربعاوى وهو نادر ولا نعلم غيره.
فعيلى: اسم مثل هديا وحديا.
تفعل: اسم مثل ترنى وتبنى وهو قليل جدًا.
فأما كمثرى وهو فعلى فمولد ولذلك أهلمناه قال أبو حاتم: «قال الأصمعى: يقال كمثراة وكمثرى مشددة الميم ولم يعرف التخفيف. وقوم يزعمون أنه لا يجوز غير التخفيف فأنكر ذلك الأصمعى وأنشد:
أكمثرى يزيد الحلق ضيقًا ... أحب إليك أم تين نضيج
قال أبو حاتم: قال الأصمعى: / حدثنى عقيلى قال [قيل لابن ميادة أتعرف الكمثرى؟ فلم يعرفه لأنه أعرابى ثم فكر] وقال: مالهم قاتلهم [الله يقولون الأكم أترى! ليست والله بأثرى ولا كرامة، والأكم]: المرتفعات من الأرض. [واحدتها أكمة، ويقال أكمة وأكم وآكام وإكام] وكذلك حندقوقى وهو فتعلولى لأنه أعجمى. ومن المولدين من يقول حندقوقى على فنعلولى ومنهم من يقول حندقوقى على قنعلولى [ومنهم من يقول حندقوق على فنعلول]
1 / 10
وأنشد ابن الأنباري فى بيت ابن مقبل:
رعت برحايا فى السنين وعادةٌ ... لها برحايا كل شعبان تحرف
وبرحايا على مثل فعلايا وهو نادر شاذ لأن الأصمعى وغيره روى مرحيا على فعليا فلذلك ألغيناه.
ورأينا أن نستأنف بأقصى الحروف مخرجا ثم الذى يليه ثم الذى يليه على مدرج المخارج إلى أن ننتهى إلى أدناها وهى الواو.
فأقصاها الهمزة ثم الهاء ثم العين ثم الحاء ثم الغين ثم الخاء ثم القاف ثم الكاف ثم الضاد ثم الجيم ثم الشين ثم الياء ثم اللام ثم الراء ثم النون ثم الطاء ثم الدال ثم التاء ثم الصاد ثم الزاى ثم السين ثم الظاء ثم الذال ثم الثاء ثم الفاء ثم الباء ثم الميم ثم الواو.
ولم نذكر الألف لأنها لا تكون كلمة أولها ألف، من أجل أنه لا يمكن الابتداء بالساكن لاعتياصه على الناطق.
فإذا ذكرنا حرفًا أوله همزة على مثال من الأمثلة ثم أتبعناه ما أوله حاء على ذلك المثال، أو ذكرنا ما أوله حاء ثم أتبعناه ما أوله قاف، أو ذكرنا ما أوله عين ثم أتبعناه ما أوله جيم، فذلك لأنه لم يأت من ذلك المثال ما أوله حرف من الحروف التى هى بين ما ذكرناه وبين ما تجاوزنا إليه أو أتى من بعضه حرف أو حرفان شاذ نادر لم يشتمل عليه جمعنا، فعذرنا فيه بين لأن الإحاطة من أفعال البارى لا من أفعال البرية. وأن نذكر بعد الفراغ مما وصفناه - إن شاء الله - المقصور المهمور ثم: ما يمد ويقصر. فإذا ذكرنا حرفا من طريق القياس على مذاهب البصريين ثم كررناه على مذاهب الكوفيين على ما ذكر شيخنا أبو بكر بن الأنبارى وكان أعلم من رأيناه
1 / 11
منهم فإنما ذلك ليفرق بين المذهبين ويعلم سبيل الفريقين وكيف يتناول كل واحد حجته، ويورد علته.
فأما أمثله الممدود وأبوابه / [وما يقاس منه فسنذكره بعد فراغنا من المقصور ونسأل الله أن يهدينا إلى الرشاد ويوفقنا للسداد ويشرح صدرونا للصواب و] يعمر قلوبنا بالعلم.
1 / 12
[هذا باب ما يعرف من المقصور بالقياس]
قال أبو على: اعلم أن المقصور كل حرف من بنات الياء والواو وقعت ياؤه أو واوه بعد حرف مفتوح فأبدل الألف مكانها، ولم يدخله نصب ولا جر ولا رفع.
فأشياء يعلم أنها مقصورة بنظائرها من الصحيح:
وذلك مثل: معطى ومشترى وأشباههما لأن معطى مثل مكرم، ومشترى مثل معترك، وقعت الياء فيهما بعد حرف مفتوح فأبدلت ألفًا، كما وقعت الكاف والميم فى معترك ومكرم بعد حرف مفتوح، وصارت الطاء من معطى والراء من مشترى مفتوحتين بمنزلة الراء من معترك ومكرم فدلك مكرم وهو مفعل على أن معطى مقصور، لأنه مفعل مثله، ودلك معترك وهو مفتعل على أن مشترى مقصور، لأنه مفتعل كما أنه مفتعل.
ومثل معزى وملهى وأشباههما لأن معزى وملهى مثل مخرج ومدخل وقعت الواو فيهما بعد حرف مفتوح فأبدلت ألفًا كما أن جيم واللام من مخرج ومدخل وقعنا بعد حرف مفتوح فصارت الزاى من مغزى والهاء من ملهى بمنزلة الراء من مخرج والخاء من مدخل فذلك مدخل ومخرج على أن معزى وملهى مقصوران لأنهما مفعل كما أنهما مفعل.
ومثل المفعول من سلقيته وهو مسلقى ومسلنقى مقصور لأنه لا يكون فى نظائره من الصحيح مكان ما قبل هذه الألف التى أبدلت من الياء إلا حرف مفتوح. وكذلك كل شئ من بنات الياء والواو كان مصدرا لفعل يفعل وكان الاسم أفعل مثل عشى يعشى عشا فهو أعشى، وعمى يعمى عمى فهو أعمى، لأن نظيره من الصحيح فعل يفعل فعلًا فهو أفعل مثل حول يحول حولًا فهو أحول، وأدر يأدر أدرا فهو آدر، وشتر يشتر شترًا فهو أشتر، وقرع يقرع قرعًا فهو أقرع، وصلع يصلع صلعًا فهو أصلع، وشبهه، فدلتنا هذه الحروف على أن عمى وعشا مقصوران كما دلك نظير معطى ومشترى من الصحيح أنهما مقصوران.
1 / 13
وكذلك كل شئ كان مصدرًا لفعل / يفعل والاسم منه [فعل، وهو منقوص مثل هوى يهوى هوى فهو هو، وردى يردى ردى فهو رد، إذا هلك، وصدرى يصدى صدىً فهو صد، إذا عطش، ولوى يلوى لوى فهو لو، وهو وجع يناله فى بطنه، وكرى يكرى كرى فهو كر، إذا نام، وغوى الفصيل يغوى غوى فهو غو، إذا تخثر من شرب اللبن، لأن مصدر نظائرها] من الصحيح [على مثال فعل، فدلك فرق يفرق فرقًا فهو فرق وكسل يكسل كسلًا فهو كسل وبطر يبكر] بطرًا فهو بطر وأشر يأشر أشرًا فهو أشر، [ألا ترى أن مصدر ما ذكرنا من بنات الياء والواو] على مثال فعل كما أن هذه على مثال فعل.
وكذلك كل شئ كان على فعل يفعل والاسم منه على فعلان مصدره مقصور أيضا مثل طوى يطوى طوى فهو طيان، وصدرى يصدى صدى فهو صديان لأن مصدر نظائرهما من غير المعتل فعل نحو عطش عطشًا فهو عطشان، وغرث غرثًا فهو غرثان، وظمئ ظمأ فهو ظمآن.
وكذلك كل شئ كان مصدرا لفعل يفعل والاسم منه فاعل فهو مقصور نحو رضى يرضى رضى وهو راض لأن نظيره من الصحيح سخط سخطا وهو ساخط، وكسروا الراء كما قالوا الشبع فلم يجيئوا به على نظائره وهذا لا يجسر عليه إلا بسماع.
وقد قالوا بدا له يبدوا بدا نظيره حلب يحلب حلبا وهذا أيضا لا يجسر عليه إلا بسماع، ولكن يؤتى بنظائره بعد السماع. وقد قالوا غرى به يغرى غراء فهو غر وهذا شاذ رواه يونس عن العرب، وزعم الأصمعى وأبو زيد أن العرب تقصره والقياس ما قالا.
وحدثنى أبو بكر بن دريد عن أبى حاتم عن أبى زيد قال: «يقال غري به -
1 / 14
أي لزق به - غرى شديدًا مقصور، وغريت أنا بفلان أغرى به غرى إذا أولعت به».
وأشياء لا يعلم أنها مقصورة حتى يعلم أن العرب قد تكلمت بها فإذا علم ذلك علم أنها ياء أو واو وقعتا بعد حرف مفتوح فأبدلتا ألفًا. ولا يجوز لك أن تقول قصر ذا لكذا، كما لا يجوز لك أن تقول سمى فرس لكذا، ولا جمل لكذا، فكذلك قفا، ورجا البئر وأشباه ذلك لا يفرق بينهما وبين سماء إلا بسماع، كما لا يفرق بين قدم وقذال إلا بالسماع.
ولا يجوز لك أن تقول قصر قفا لكذا، ومد سماء لكذا، كما لا يجوز لك أن تقول إنما بنى قدم على فعل لكذا وبنى فذال على فعال لكذا، إلا أنك إذا سمعت قدما قلت مثاله فعل وإذا سمعت قذالا قلت مثله فعال فكذلك تقول فى قفا وسماء وهذا مذهب سيبويه وأصحابه.
وقال ابن الأنبارى: إن قال قائل: لم قصر / [المقصور ومد الممدود؟ قيل له: الممدود من الأسماء استحق المد لاستقبال] الهمزة الألف [الساكنة. ألا ترى أنك إذا قلت القضاء والدعاء، وجدت الألف الساكنة قد] استقبلتها الهمزة فلما كانت [الألف خفية والهمزة خفية، قويتا بالمد، والمقصور لم يجب] فيه المد لأن الألف التى فى آخره لم يستقبلها حرف خفى يحتاج إلى تقوية.
[فإن قال قائل: ولم لم] يزيدوا فى المقصور حرفًا خفيًا ليجب المد فيه كما وجب فى غيره؟ قيل له القضاء على مثال الذهاب فالألف التى بعد الضاد بمنزلة الألف التى بعد الهاء، والهمزة التى بعد الألف بمنزلة الباء، والرضا بمنزلة الثقل، الألف بمنزلة اللام والضاد بمنزلة القاف فلي فيه ما يوجب المد.
فإن قال فهلا زادوا حرفًا فى الرضا وشبهوه بالقتال ومدوه؟ وكذلك العمى هلا مدوه وشبهوه بالذهاب؟ قيل له أبنية الأسماء سبيلها أن تحكيها عن العرب حكاية ولا تتكلف الاعتلال لها، لأنه لو قال لنا قائل لم فتحت العرب الزاي من
1 / 15
زيد وكسروا الجيم من جسم وهلا كسروا الزاى وفتحوا الجيم، لقلنا هذه الأبنية التى تؤثر عن العرب ولا يقال فيها لم؟ ولا كيف؟ .
واعلم أن المقصور الذى على ثلاثة أحرف له ثلاثة أمثلة:
فعل مثل قفا وعصا نظيرهما من الصحيح عمل وشبهه.
وفعل مثل رضى وحمى نظيرهما من الصحيح عمل وشبهه.
وفعل مثل هدى ولقى نظيرهما من الصحيح جرد وصرد
واعلم أن الألف فى المقصور الذى على ثلاثة أحرف بدل وليست زيادة كزيادة ألف حبلى.
1 / 16
هذا باب تثنية المقصور
اعلم أنك إذا ثنيت المقصور الذى هو من بنات الواو أظهرت الواو فى التثنية لأنك إذا حركت آخر الحرف للتثنية فلابد من ياء أو واو، فالذى هو الأصل أولى. فإن كان المنقوص من بنات الواو أظهرت الواو مثل قفا، لأنه من قفوت الرجل، وعصا لأنك تقول عصوت فتقول قفوان وعصوان ولا ت ميل ألفهما. وليس شئ من بنات الياء لا يجوز فيه إمالة الألف، وكذلك تقول في رجا البئر رجوان لأنه من بنات الواو، يدلك على ذلك قولهم رجا فلا يميلونوكذلك فى رضا رضوان لأنه [من الواو والدليل على ذلك مرضوا، ورضوان فأما مرضى فبمنزلة مسنية وكذلك] سنوان [لأن السنا من بنات الواو بمنزلة القفا، وكذلك هذه وما أشبهها.] فإذا علمت أنه من [بنات الواو وكانت الإمالة تجوز فى الألف أظهرت الألف لأنها ألف] مكان الواو فإذا [ذهبت الألف فالتى] الألف بدل منها أولى، الدليل على ذلك أنهم يقولون غزا فيميلون الألف ثم يقولون غزوا، ويقولون الكبا وهو الكناسة ثم يقولون الكبوان.
وقال سيبويه: سألت يونس «عن تثنية العشا الذى فى العين فقال: عشوان لأنها من الواو، غير أنهم قد يلزمون بعض ما يكون من بنات الواو انتصاب الألف ولا يجيزون الإمالة تحقيقا للواو.
ولو سميت رجلا بخطا ثم ثنيت لقلت خطوان لأنها من خطوت، ولو جعلت «على» اسمًا التى فى قولك على زيد درهم ثن ثنيت لقلت علوان لأنها من علوت ولأن ألفها لازمة للانتصاب.
1 / 17
والجمع في جميع ما ذكرت لك من بنات الواو بالواو ألا تراهم قالوا قنوات وأدوات وقطوات».
وإذا كان المنقوص من بنات الياء أظهرت الياء [فى التثنية] تقول فى عمى عميان لأنه من الياء، ألا ترى أنك تقول عمى الرجل وقوم عمى وعميان وكذلك تقول هدى وهديان لأنك تقول هديت، ولأنك قد تميل الألف فيه، وكذلك تقول فى فتى فتيان لأنه من بنات الياء ألا ترى أنهم قالوا فتيان وفتية، فأما الفتوة فإنما جاءت فيها لضمة ما قبلها مثل لقضو الرجل وهو من قضيت، وموقن وهو من أيقنت فجعلوا الياء تابعة لما قبلها فقلبوها واوا، فهذا سبيل المنقوص الذى على ثلاثة أحرف والجمع فى جميع بنات الياء بالياء كما كان فى جميع بنات الواو بالواو.
وقال سيبويه «رحى من بنات الياء» وذلك أن العرب لا تقول إلا رحى ورحيان. وقد أجاز الكوفيون رحوان ورحوت (بالرحا ورحيت ولم أجده لأحد من فصحاء العرب. والقول عندنا ما قال سيبويه يقوى ذلك قول مهلهل:
كأنا غدوة وبنى أبينا ... بجنب عنيزة رحيا مدير)
فأما ربًا فإنك تقول فى تثنيته ربوان، لأنك تقول ربوت فهو من الواو، كذا قال سيبويه.
1 / 18
فإذا جاء شئ من المنقوص ليس له اسم تثبت فيه الواو «ولا فعل تثبت فيه الواو). فإن كانت ألفه ألزمت الانتصاب فهو من بنات الواو لأنه ليس شئ من بنات الياء يلزم ألفه الانتصاب لا تجوز فيه الإمالة، إنما يكون ذلك فى بنات الواو وذلك نحو / [لدى وإلى وما أشبههما.
واعلم أنه لا يجوز لك تثنية لدى وإلى وما أشبههما من الحروف حتى يصرن أسماء. فكل ما لزم ألفه الانتصاب فتثنيته وجمعه بالواو، لأنه من بنات الألف، والواو أولى به، الدليل على ذلك أنه لا تجوز فيه الإمالة].
فإن جاء شئ من المقصور ليس له فعل تثبت فيه الياء، ولا اسم تثبت فيه الياء وجاءت الإمالة فى ألفه، فالياء فى التثنية أولى به، إلا أن تكون العرب قد ثنت، فتبين بتثنيتهم من أى البايين هو، كما استبان لك بقولهم قطوات وقنوات أن القطاة والقناة من الواو، وإنما صارت الياء أولى حيث كانت الإمالة فى بنات الواو وبنات الياء، وأن الياء أغلب على الواو حتى تصيرها واوا، فإذا لم يستبن لك فالأقوى أولى حتى يستبين لك. قال سيبويه: وهذا قول يونس وغيره لأن الياء أقوى وأكثر وذلك نحو متى إذا صارت اسما وبلى إذا صارت اسما وجمع هذا أيضًا بالياء.
واعلم أن المنقوص الذى عدة حروفه أربعة فزائدا، إذ كانت ألفه بدلا من حرف من نفس الحرف نحو أعشى ومغزى وملهى ومرمى ومجرى ثنى ما كان من هذا النحو من بنات الواو كتثنيتك منه ما كان من بنات الياء، لأن أعشى ونحوه لو كان فعلًا لتحول إلى الياء، فلما صار لو كان فعلا لم يكن إلا من الياء صار هذا النحو من الأسماء متحولا إلى الياء، وصار بمنزلة الذى عدة حروفه ثلاثة وهو من بنات الياء. وكذلك مغزى لأنه لو كان يكون فى الكلام مفعلت لم يكن إلا من الياء لأنها أربعة أحرف كأعشى، والميم زائدة كالهمزة. وكلما ازدادت
1 / 19
الحروف كان من الواو أبعد، وأما مغتزى فتكون تثنيته بالياء، كما أن فعله متحول إلى الياء، وذلك أعشيان ومغزيان ومغتزيان. وكذلك جمع ذا بالياء كما كان جمع ما كان على ثلاثة أحرف بالياء مثل التثنية.
وأما ما كانت ألفه زائدة، فنحو حبلى ومعزى ودفلى وذفرى فلا تكون تثنيته إلا بالياء لأنك لو جئت بالفعل من هذه الأسماء بالزيادة لم يكن إلا من الياء كسلقيته / فكذلك قولك [حبليان ومغزيان ودفليان وذفريان].
[وإذا جمعت المقصور بالواو] والنون فى [الرفع وبالياء والنون فى الجر والنصب فإنك تحذف الألف وتدع الفتحة التى] كانت قبل [على حالها وإنما حذفتها لئلا يلتقى ساكنان ولم تحركها كراهية للياءين] مع الكسرة، والياء مع الضمة والواو، حيث كانت معتلة.
قال سيبويه: وإنما كرهوا ذا كما كرهوا فى الإضافة فى حصى حصيى.
وإن جمعت قفا اسم رجل قلت قفون، حذفت الواو المبدلة منها الألف كراهية أن يجتمع واوان وضمة وتتوالى الحركات. وأما ما كان على أربعة أحرف ففيه ما ذكرنا مع عدة الحروف وتوالى حركتين لازمتين، فلما كان معتلا كرهوا أن يحركوه على ما يستثقلون إذ كان التحرك مستثقلا، وذلك قولك رأيت مصطفين وهؤلاء مصطفون ورأيت حبتطين وهؤلاء حبنطون، ورأيت قفين وهؤلاء قفون.
وقال ابن الأنبارى: كل نعت كان على أفعل للمذكر وعلى فعلاء للأنثى من بنات الياء والواو فمصدره مقصور، نحو قولك: رجل أعمى وامرأة عمياء ويكتب العمى بالياء لأنك تقول فى الأنثى عمياء فتمد الياء ثابتة فيها، وكذلك رجل أعشى وامرأة عشواء، ويكتب العشا بالألف لأنك تقول فى الأنثى عشواء فتمد الواو ثابتة فيها، وكذلك تقول رجل أجلى وامرأة جلواء وسيذكر الجلا فى بابه إن شاء الله.
1 / 20
وكل مصدر على فعلان للمذكر وعلى فعلى للمؤنث يقال منه فعل يفعل فهو مقصور يكتب بالياء كقولك رجل صديان وامرأة صديا وتقول فى المصدر صدى، وكذلك رجل طيان وامرأة طيًا والمصدر الطوى.
وكل نعت للمذكر على فعل وللأنثى على فعلة فمصدره مقصور يكتب بالياء كقولك موضع ند وأرض ندية وقد ندى يندى ندى، وكذلك الردى والدوى والهوى وسيذكر كل واحد من هذه المصادر فى بابه إن شاء الله.
ويقال هوى النجم يهوى هويًا من الانحدار والانصباب كما قال الله تعالى: ﴿والنجم إذا هوى﴾ [سورة النجم ٥٣/ ١]، وكما قال زهير:
[فشج بها الأماعز وهى تهوى ... هوى الدلو أسلمها الرشاء]
وكذلك رجل لو [وامرأة لوية، تقول فى مصدره قد لوى الرجل يلوى لوى، وهو وجع يناله فى بطنه] ويعبر وج وناقة وجية تقول [فى مصدره وجى يوجى وجى شديدًا. ويقال] بعير سخ بين السخى وسيذكر السخى إن شاء الله فى بابه. ويقال رجل كر من النعاس وامرأة كرية وقد كرى كرى قال: وقال أبو العباس: قد كرا يكروا إذا لعب بالكرة. ويقال شرى شرى إذا غضب. ويقال فصيل غو وقد غوى يغوى غوى وغيًا إذا بشم من لبن أمه، ويقال غوى الرجل يغوى غوايةً وغيًا. وكذلك بعير طن وقد طنى طنى وهو داء يأخذ البعير فى الرئة. وفصيل دق وقد دقى دقًا وهو شبيه بغوى. وعود ذو وقد ذوى ذوى، وقد ثرى الكثيب ثرى من الندى.
فهذا قياس مطرد لا انكسار فيه فى جميع هذا الباب، إلا أن حرفين شذا من الباب فجاءوا على غير قياس:
1 / 21