المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

أبو حامد الغزالي ت. 505 هجري
46

المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى

محقق

بسام عبد الوهاب الجابي

الناشر

الجفان والجابي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٧ - ١٩٨٧

مكان النشر

قبرص

والمتخيلات كلهَا ويقتني من الْعُلُوم مَا لَو سلب آلَة حسه وتخيله بَقِي ريانا بالعلوم الشَّرِيفَة الْكُلية الإلهية الْمُتَعَلّقَة بالمعلومات الأزلية الأبدية دون الشخصيات المتغيرة المستحيلة وَأما إِرَادَته فينزهها عَن أَن تَدور حول الحظوظ البشرية الَّتِي ترجع إِلَى لَذَّة الشَّهْوَة وَالْغَضَب ومتعة الْمطعم وَالْمشْرَب والمنكح والملبس والملمس والمنظر وَمَا لَا يصل إِلَيْهِ من اللَّذَّات إِلَّا بِوَاسِطَة الْحس وَالْقلب بل لَا يُرِيد إِلَّا الله ﷿ وَلَا يبْقى لَهُ حَظّ إِلَّا فِيهِ وَلَا يكون لَهُ شوق إِلَّا إِلَى لِقَائِه وَلَا فَرح إِلَّا بِالْقربِ مِنْهُ وَلَو عرضت عَلَيْهِ الْجنَّة وَمَا فِيهَا من النَّعيم لم تلْتَفت همته إِلَيْهَا وَلم يقنع من الدَّار إِلَّا بِرَبّ الدَّار وعَلى الْجُمْلَة الإدراكات الحسية والخيالية تشارك الْبَهَائِم فِيهَا فَيَنْبَغِي أَن يترقى عَنْهَا إِلَى مَا هُوَ من خَواص الإنسانية والحظوظ البشرية الشهوانية يزاحم الْبَهَائِم أَيْضا فِيهَا فَيَنْبَغِي أَن يتنزه عَنْهَا فجلالة المريد على قدر جلالة مُرَاده وَمن همته مَا يدْخل فِي بَطْنه فَقيمته مَا يخرج مِنْهُ وَمن لم يكن لَهُ همة سوى الله ﷿ فدرجته على قدر همته وَمن رقى علمه عَن دَرَجَة المتخيلات والمحسوسات وَقدس إِرَادَته عَن مُقْتَضى الشَّهَوَات فقد نزل بحبوحة حَظِيرَة الْقُدس السَّلَام هُوَ الَّذِي تسلم ذَاته عَن الْعَيْب وَصِفَاته عَن النَّقْص وأفعاله عَن الشَّرّ حَتَّى إِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن فِي الْوُجُود سَلامَة إِلَّا وَكَانَت معزية إِلَيْهِ صادرة مِنْهُ وَقد فهمت أَن أَفعاله تَعَالَى سَالِمَة عَن الشَّرّ أَعنِي الشَّرّ الْمُطلق المُرَاد لذاته لَا لخير حَاصِل فِي ضمنه أعظم مِنْهُ وَلَيْسَ فِي الْوُجُود شَرّ بِهَذِهِ الصّفة كَمَا سبق الْإِيمَاء إِلَيْهِ إِلَّا لله سُبْحَانَهُ

1 / 69