وجاؤا على قميصه بدم كذب ، لأن الذئب ما خلع الثوب ، بل شقه وسحب ، والذئب لا يفتح الأزرار ، بل يمزقها بلا وقار :
يا ممعنا في السوء والعيب
لا ينفع التهذيب في الذيب
لو علمت القافلة بمكانة يوسف : ما قالوا : يا بشرى هذا غلام ، بل لقالوا : يا بشرى هذا إمام ، وولي مقدام ، وسيد همام ، ولكن وما أدرى الليل ببدر التمام
يوسف لديه جمال وجلال ، فردعه وازع الجلال ، عن نوازع الجمال ، لما قال : معاذ الله ، حماه ربه وتولاه .
لو ترك يوسف كلمة اذكرني عند ربك وذكر هو ربه ، لكشف كربه ، وأزال خطبه ، وأسعد قلبه .
يوسف ما نسي إيمانه ، سئل عن الرؤى وهو في الزنزانة ، فدعا إلى التوحيد ، لأن التوحيد حياة العبيد ، لا يرده قيد ولا يمنعه حديد .
قد قلت للذئب الوفي لصحبه
أأكلت يوسف في العراء بخلسة
فأجابني والله لم أهمم به
إني أحب الأنبياء ومهجتي
يا صاحب الأظفار والأنياب
ودم النبوة سال في الأثواب
هذا معاذ الله غير صواب
تفدي النبي ومقلتي وإهابي
الذئاب ما تأكل الأنبياء ، ولا تلطخ أفواهها بدماء الأولياء ، لأنهم أصفياء أوفياء وإنما يقتل الأنبياء ذئاب الخليقة ، إذا عميت عليهم الحقيقة ، وأظلمت عليهم الطريقة:
الذئب أكرم عشرة من ثلة
خانوا عهود مودة الإخوان
في سورة يوسف قميص بريء من الذئب ، وقميص بريء من العيب ، وقميص مضمخ بالطيب .
فالأول : قميص يوسف وقد مزقه الإخوان ، والثاني : قميصه وقد مزقته امرأة السلطان ، والثالث : قميصه وقد ألقي على يعقوب فأبصرت العينان :
كأن كل نداء في مسامعه
قميص يوسف في أجفان يعقوب
لما قال إخوة يوسف له : { وأبونا شيخ كبير } ، نسوا أنهم هم الذين أوقعوه في هم كثير ، فهو بسبب ما فعلوه في حزنه أسير ، وفي بيته كسير ، فهم يحتجون به وقت الحاجة ، وينسونه وقت اللجاجة .
صفحة ٤٢