والقلب عن جابر والسمع عن حسن جاءني عطاء الله السمرقندي ، فبات عندي ، وكان أحد المحدثين ، ويكره المحدثين في الدين ، فقلنا : أيها الإمام ، عليك السلام : الوقت حثيث ، فحدثنا عن علم الحديث ، فتأوه ثم قال : مات حفاظه ، فكادت تنسى ألفاظه ، ، وأهل الحديث هم الركب الأخيار ، أحباب المختار ، قوم تصدقوا بالأعمار على الآثار ، وقضوا الحياة في الأسفار ، لجمع كلام صفوة الأبرار :
في كل يوم لنا في الأرض مرتحل
نغدو بدار ونمسي بعد في دار
شدوا العمائم ، وجدوا في العزائم ، وتسلحوا بالصبر الدائم ، فلو رأيتهم وقد فتحوا الدفاتر ، وقربوا المحابر ، وكتبوا : حدثنا مسدد بن مسرهد ، أو رواه أحمد في المسند ، أو أخرجه البخاري ، وشرحه في فتح الباري ، لهانت عندك الدنيا بما فيها ، وركبت سفينة الحديث وناديت باسم الله مجراها . ولأقبلت على العلم والكتب ، وهجرت اللهو واللعب ، واللغو والطرب .
يفوح من فم المحدث المسك التبتي ، لأن عليه سيماء ( نضر الله ، امرأ سمع مني مقالتي ) أنفاس المحدثين تنضح بالطيب ، لأنها حملت اسم الحبيب :
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى
إليكم تلقى طيبكم فيطيب
بن
بنفسي ذاك المحدث إذا جلس على الكرسي ، وقد حف به الطلاب ، ونشر الكتاب ثم قال : حدثنا محمد بن شهاب ، عندها يرتحل قلبك ، ويكاد يطير لبك ، شوقا لصاحب التركة ، لما جعل الله في كلامه من البركة . فتصبح الدنيا رخيصة مرفوضة ، لا تساوي جناح بعوضة ، وتشتاق النفوس إلى الجنة ، لما غشيتها أنوار السنة .
إني إذا احتوشتني ألف محبرة
نادت بحضرتي الأقلام معلنة
يكتبن حدثني طورا وأخبرني
صفحة ٢٦