107

مقامات القرني

تصانيف

لا يزور الكلام في صدره تزويرا ، ولا يحبر الخطب تحبيرا ، فلا يساوي كلامه في ميزان الشعر نقيرا ، يا ليت بعض الخطباء اشتغل بالتجارة ، أو مارس البناء والنجارة ، وترك المنبر لأهل الإبداع والجدارة .

الخطيب القدير ، والمتكلم النحرير ، له صولة وزئير ، ومنطق كالحرير ، ولسان كالسيف الطرير ، إذا وثب على المنبر ، فاح منه المسك والعنبر ، فكأن منطقه الماء الزلال، والنبع السلسال ، يأتي بالحكمة في ارتجال ، ويغلب بحجته الرجال ، فإنه الأسد إذا صال وجال ، إياك والكلام الساقط المرذول ، والعامي المبذول ، وعليك بفصيح المنقول ، الذي يحبذه أصحاب العقول ، ما أحوجنا إلى خطيب قوال ، وبما يقول فعال ، ليس صاحب إملال ، ولا إخلال ، ولا إقلال ، وإنما يدبج السحر الحلال .

وكلامه السحر الحلال لو أنه

إن طال لم يملل وإن أوجزته

لم يجن قتل المسلم المتحرز

ود المحدث أنه لم يوجز

لا يشرح الصدر مثل الكلام الصادق ، والبيان الناطق ، واللفظ الدافق ، والأسلوب السامق ، أما كلام الحاكة ، وألفاظ أهل الركاكة ، فهو حمى الأرواح ، في الصدور رماح ، وفي القلوب جراح .

ترى بعضهم إذا تكلم لا يكاد يبين ، كأنه من الأعجميين ، ينطق بالحرف مقلوبا ، ويجعل المرفوع منصوبا ، ملأ خطبته عيوبا ، وندوبا ، وثقوبا .

غضب منه في النحو سيبويه ، وفي اللغة نفطويه ، وفي الحديث راهويه ، وفي الشعر متنبيويه .

الخطيب البارع يأسر القلوب أسرا ، ويسري بالأرواح فسبحان من أسرى ، ويسترق الضمائر فإما منا بعد وإما فداء ، وله على مستعمرات النفوس احتلال واستيلاء .

الخطيب الملهم يكتب على صفحات القلوب رسائل من التأثير ، ويرسم في العقول صورا من براعة التعبير ، ويبني في الأفئدة خياما من جلال التصوير .

صفحة ٧