أبي عاصم هذا فيقول: «جمع فيه غرائب وفوائد، إلا أنه اختصر في التراجم جدًّا.
وربما ذكر اسم الرجل أو موضع الشهرة منه، ولم يزد».
وقد أسدى الأستاذ المستشرق - نموستا فيتستام، ليدن - إلى التراث العربي يدًا جليلة بإبراز هذا النص وإخراجه إلى النور. لكنه على عادة كثير من المستشرقين المشتغلين بتحقيق النصوص العربية قدم النص مجردًا من أي شرح أو توثيق، إلا ما يكون من ذكر فروق النسخ.
وسواء أكان الباعث على هذه الطريقة: المنهجية أو القصور، فستظل هذه النصوص التي تخرج على هذا النحو في حاجة إلى إخراج جديد، يجلوها ويربطها بما قبلها وبما بعدها في خط التراث العربي المتداخل المتشابك. وستظل هذه النصوص أيضًا في حاجة إلى عين عربية بصيرة بمجري السياق عليمة بمواقع الكلام.
وإذا كان من المجمع عليه أنَّ أوفى عمل في هذا الفن - فن تراجم الشافعية - هو موسوعة ابن السبكي العظيمة: «طبقات الشافعية الكبرى»، فإن أي عمل في هذا المجال ينبغي أن يراجع على هذه الموسوعة الكبرى، وبخاصة أن ابن السبكي قد أفرغ في كتابه كل الكتب التي صنفت قبله في هذا الفن. فهو جهد حقيق بأن يرجع إليه ويستفاد منه.
ويبدو أن الأستاذ المحقق لم يفد من عمل ابن السبكي، ولو فعل لأراح واستراح من هذه المظاهر الصاخبة التي زحم بها حواشي الكتاب، من ذكر فروق النسخ فيما لا طائل تحته ولا غناء فيه. فقد تكثر الأستاذ المحقق من ذكر هذه الفروق، بحيث اشتملت بعض الصفحات على عشرين تعليقًا، معظمها يمكن الاستغناء عنه. وليس هناك داع لإثقال النص بالفروق الهينة، أو التي تكون واضحة الخطأ، نتيجة لأوهام النساخ أو جهلهم، ولا يذكر من الفروق إلا ما كان له وجه يخدم النص. والمسألة ليست استعراض عضلات، كما يقال في هذه الأيام. وهذا مثال واحد في صفحة ٦١ هامش ٧: «قال أبو داود السجستاني»، يضع المحقق رقمًا فوق «أبو» ليقول في الهامش: في ت: «أتو»!
1 / 55