النظر، ودلوني على فوائد في الكتب، لم أكن أقف عليها لولا نظرهم ومفاتشتهم، ولا زلت أقول: إننا حين نعلم ونخرج أبناءنا الطلبة إنما نقرأ معهم العلم مرة أخرى، بل ربما استفدنا منهم مثل الذي استفادوه منا، ولأمر ما كان التلميذ قديمًا يسمى «صاحبًا» لشيخه: فأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة، والربيع بن سليمان المرادي صاحب الشافعي، وابن جني صاحب أبي علي الفارسي ... وهلم جرا.
وهكذا مضت أيامي مع هؤلاء الأحباب، فقضيت معهم وبهم أحلى الأوقات، وسعدت بأكرم جوار، ونعمت بأرحب دار، ولولا أكبادنا التي تمشي على الأرض، لما كان لي عن هذه الديار مذهب ولا متحول، ولا زلت مع تطاول الأيام وكرور الليالي أجد لذع تلك الدمعة السخينة التي تحدرت من عيني ساعة غادرت مكة، وأنا أنشد أقول الشريف الرضي:
وتلفتت عيني فمذ خفيت ... عني الطلول تلفت القلب
وما برح القلب يتلفت، وما زالت العين تشتاق حتى يأذن الله بلقاء.
اللهم اجز إخواننا هؤلاء خير الجزاء، واربط على قلوبهم، واجعلهم موصولين بالعلم، بارين به، حافظين لأمانته ...».
* * *
1 / 21