والأساتذة الكبار من محبي الفقيد في مجلات وجرائد مصر والمملكة العربية السعودية والكويت ينبئك عن مكانته العلمية ورسوخ قدمه في علوم العربية، بما لا يتأتى لأحد في هذا العصر إلا القليل، وربما لا تجد عند غيره تلك الثقافة الموسوعية التي حظي بها يرحمه الله، وتلك القراءات الثرية تتلألأ بها مؤلفاته بصورة مدهشة، فأنت عندما تقرأ ما يكتب الدكتور الطناحي تجده تجاهك يحدثك وتحدثه، ويلقي إليك بفوائد جمة تجيئك تترى، والمحب للتراث إزاء تلك الفوائد والغرائب لا يكاد يلتقط أنفاسه من نفاستها وتتابعها، ويكفيك أن الإخوة في المملكة العربية السعودية عرفوا قدره فوضعوه بإزاء الشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ محمد الغزالي والسيد صقر يرحمهم الله وغيرهم. كما أن فكه لطلاسهم أسلوب أبي علي الفارسي في كتاب «الشعر» دليل على رسوخ قدمه في تحرير النص وتحقيقه (انظر ج ١ ص ٦٣ وما بعدها).
وعالمنا الجليل يحرص على تذكيرنا دائمًا بأنه: «لا يغني كتاب عن كتاب» (الموجز في مراجع التراجم ص ٢٤) و«أن مجاز كتب التراث مجاز الكتاب الواحد»، (المرجع السابق ص ٣٥).
ولقد اخترمته المنية وقرار اختياره عضوًا في مجمع اللغة العربية في سبيله للصدور، فخسر المجمع بذلك ابنًا بارًا من أبنائه الأوفياء، ﵀ رحمة واسعة.
وبقي فقيدنا عمره كله وفيًا لتراث أمته يذود عنه بغي الباغين، وتشكيك المستغربين، ويسوؤه ما انتشر في هذا الزمان من استهانة به وبأصول تحقيقه ودراسته، واندفاع بعضهم في إخراج الطبعات السريعة لبعض كتب التراث: لا يعبأ بصحة القراءة، ولا يضبط النص، ويستجلب التعليقات مغيرًا على كتب الأئمة الأعلام، «ولا بأس من التهويش ببعض الشروح اللغوية التي تعبُّ من المعاجم عبًّا، وكثيرًا ما يقع في نقل هذه الشروح أخطاء فادحة، لعدم التنبه للمشترك اللفظي» كما يقول ﵀ في (كتاب الشعر لأبي علي الفارسي، المقدمة صفحة: ج).
1 / 16