[chapter 1] مقالة جالينوس فى أجزاء الطب
صفحة ٢٤
١ قال جالينوس أظن بك يا حبيبى ايوسطس أن بالواجب تحيرت فى أمر أجزاء الطب لأن القدماء قد اختلفوا فى قسمتها فترى بعضهم قد قسم صناعة الطب كلها إلى علاج اليد واستعمال الأدوية والتدبير ثم أنهم بعد قسموا كل واحد من هذه الأجزاء ليس على مثال واحد وبعضهم قسموا الطب قسمين أحدهما الشفاء والآخر حفظ الصحة وقوم رأوا أنه ينبغى أن يضاف إلى هذه قسم آخر وهو التقدم فى حفظ الصحة وقوم آخرون رأوا أنه ينبغى أن يضاف إلى هذه قسم آخر وهو تلافى الصحة وبعضهم رأى أنه ينبغى أن يضاف إليهما الجزآن جميعا ويضاف إليهما جزء آخر وهو حفظ خصب البدن وقد أضاف قوم إلى هذه الأجزاء تدبير المشائخ لأنه جزء خاص من صناعة الطب وبعضهم أضاف إلى ذلك مع تدبير المشائخ تدبير الصبيان وأضاف قوم آخرون إلى هذه التزين الطبى وفرقوا بينه وبين التزين للتحسين وقد قصد قوم لتكثير أجزاء الطب بأكثر مما كثروها هؤلاء فأضافوا إلى هذه الأجزاء التى ذكرنا جزءا آخر صغيرا منذ أول القسمة وهو رياضة الصوت ومنهم من أضاف هذا على الإطلاق وعلى غير تمييز وبعضهم ميز فبين أن بعض من يقصد لتخريج الصوت يصلح لمن يناضل فى الصوت أعنى من يروم أن يغالب غيره فيه وبعضهم إنما يقصد لأن يكون الصوت فيه باقيا على طبيعته كسائر الأفعال الأخر إلا أنه قد يجب على هؤلاء أن يقيموا لكل واحد من الأفعال الجزئية التى فى البدن جزءا خاصا من هذه الصناعة ولو كانوا فعلوا ذلك لكانت قسمتهم واجبة لكنهم لما أغفلوا الأفعال الباقية فيه كلها وذكروا فعلا واحدا كشفوا من خطاء أنفسهم أن قسمتهم غير محكمة ولا واجبة ولا الذين قسموا الطب إلى أعظم أجزائه بمتفقين فى قسمة تلك الأجزاء إلى الأجزاء التى هى أصغر منها وقد عمد قوم إلى بعض تلك الأجزاء فوضعوها أجزاء للطب ونقصوا أجزاء كثيرة منها وأضافوا إليها أجزاء أخر فى القسمة الأولى مثل الكلام فى الأمور الطبيعية والكلام فى العلل — قال حنين يعنى بالكلام فى العلل معرفة الأمراض — وقد أضاف قوم إلى هذه جزءا آخر سموه الموادى — أى الأجزاء يعنى الموادى سيشرح جالينوس فيما بعد — وأضاف إليه آخرون استخراج الدلائل وأضاف إليه آخرون الكلام فى الأسباب
[chapter 2]
صفحة ٢٦
٢ وأما أصحاب التجارب فكلهم إلا الشاذ منهم متفقون على أن فصول الطب الأول الجنسية فصلان وذلك أنهم قالوا أن منها أجزاء متممة ومنها أجزاء مقومة ولم يوافق بعضهم بعضا فى إحصاء هذه الأجزاء وذلك أن بعضهم قال أن الأجزاء المتممة للطب هى الاستدلال والشفاء وقد عد قوم مع هذه حفظ الصحة وأضاف إلى هذه معها قوم التزيين الطبى وبعضهم أضاف إليها رياضة الصوت وأما الأجزاء المقومة للطب فجعلوها كلهم العيان والخبر وقوم منهم لا كلهم عدوا النقلة من الشىء إلى نظيره جزءا من صناعة الطب وليس يوافق جميع أصحاب التجارب وأصحاب الرأى بعضهم بعضا فى قسمة كل واحد من هذه (إلى) الأجزاء التى هى أصغر منها لا أهل إحدى الفرقتين ولا أهل الفرقة الواحدة الأخرى — قال حنين إحدى الفرقتين يعنى به فرقة أصحاب التجارب وفرقة أصحاب الرأى إذ كانت أهل فرقة أصحاب التجارب ليس يوافق بعضهم بعضا وكذلك فرقة أصحاب الرأى ويعنى بالفرقة الواحدة الأخرى أهل فرقة أصحاب التجارب لا أهل فرقة الرأى — وإن عد عاد هذه النتف الصغار الكثيرة أجزاء من صناعة الطب على ما قد يتسم الآن برومية خاصة حتى يسموا بعض الأطباء معالجى الأسنان ويسموا بعضهم معالجى الآذان ويسموا بعضهم معالجى المقعدة أفضى القول إلى حيرة أعظم من هذه على أن أصحاب هذا الشأن أيضا قد وجدوا فرصة من اسم قد وضع لا منذ قريب لكن منذ مدة من الزمان بعيدة جدا وهى صناعة أصحاب علاج العين فإنه إن كانت العينان مفردة بطبيب على حدته لما خرج من الواجب أن يكون للأسنان أيضا طبيب آخر مفرد على حدته وآخر للأذنين وآخرون لكل واحد من أعضاء البدن فيجب من ذلك أن يكون عدد الأطباء بعدد أعضاء البدن وإذ كان أيضا بعض الأطباء قد يسمون قداحى الأعين وبعضهم بطاطى القيل وبعضهم مخرجى الحصى وبعضهم على مثال آخر شبيه بهذا فقد بجب أن تصير عدة الأطباء أكثر كثيرا من عدد أعضاء البدن وذلك أنه ليس إنما يوجد لكل واحد من الأعضاء طبيب مفرد على حدته فقط لكن قد يوجد لكل واحدة من علل كل واحد من الأعضاء طبيب مفرد على حدته وخليق ألا تكون تعجب أن تنقسم هذه الصناعة لعظمها فى المدينة العظيمة إلى هذه الأقسام التى هى بهذا العدد الكثير إذ كانت الصناعة لعظمها لا يمكن الأطباء كلهم أن يستوعبوها عن آخرها وكانت هذه المدينة لعظمها يجد فيها جميعهم معاشا فإن المدينة الصغيرة لا يجد فيها معاشا من يقتدح الأعين ولا من يبط القيل فأما رومية واسكندرية فلكثرة من بهما من الناس هما ملئان بأن يجد فيهما من يعالج جزءا واحدا من الطب معاشه فضلا عن من معه من الطب أكثر من ذلك فأما فى المدن الأخر الصغار فقد يضطر من كان إنما يعالج من الطب فنا واحدا أن ينتقل من مدينة إلى مدينة انتقالا متواترا حتى يكون الشىء الذى هو لأهل ايطاليا برومية وحدها لأولائك مثلا بلد اليونانيين كله
[chapter 3]
صفحة ٢٨
٣ وقد رأيت أنه يحسن أن أبتدئ فى هذا الموضع بالمعنى الذى أقصد إليه إذ كان قد بان من أمر أجزاء هذه الصناعة التى هى أقل أجزائها كيف الحال فى طبيعتها وأن أتقدم فألخص تلخيصا بينا أى الأجزاء هى التى ينبغى أن تسمى أقل الأجزاء بعد أن أضع لقولى مثالا ليس من شىء خارج عن الغرض الذى قصدت إليه لكن من شىء نافع فيه ومنفعته ليس بدون منفعة غيره فأقول أنه كما نقصد فى التشريح فى أجزاء البدن أن نبلغ أقصى ما يوجد منها فى القلة فى الصورة وهى التى نسميها الأركان المحسوسة فنفهمها ونقف على حقائقها كذلك ينبغى أن نروم وجود أجزاء الطب كله حتى نبلغ أقل قليل أجزائه فأقول ان أجزاء بدن الإنسان التى هى أعظم أجزائه هى الرأس والصدر والبطن واليدان — قال حنين اليد يعنى بها كل ما هو من دون المنكب من العضد والساعد والكف — والرجلان — قال حنين الرجل يعنى بها كل ما هو من دون الورك من الفخذ والساق والقدم — وأجزاء كل واحد من هذه أيضا أما أجزاء الرأس فالجزء الذى يخص بهذا الاسم أعنى الرأس والأذنان والوجه والرقبة وأما الجزء الذى يخص باسم الرأس وهو الجزء الذى الشعر فيه نابت من جملة الرأس فأجزاؤه الموجودة فى القسمة الأول الدماغ والأمان المحيطان به وقحف الرأس والعروق الضوارب وغير الضوارب والأغشية والأعصاب والجلد ولكل واحد من هذه الأجزاء أجزاء أخر أكثر منها وسنتكلم فى جميعها فى كتاب علاج التشريح فأما فى هذا المذهب الذى نحن فيه فقد يكتفى أن نقصد إلى واحد منها دون غيره أى واحد كان فيتبين فيه قسمة البدن حتى ننتهى إلى الأركان المحسوسة فأقول ان العرق الضارب فى نفسه هو ذو طبقتين وإنما قلت فى نفسه من قبل أنى قد بينت فى غير هذا الموضع أنه ربما لحقه بسبب من الأسباب يعرض له أن يوجد إما ذو ثلث طبقات وإما ذو أربع طبقات وإحدى هاتين الطبقتين مؤلفة من شظايا تمتد عرضا والطبقة الأخرى مؤلفة من شظايا تمتد على الاستقامة طولا وليس تقدر أن تقسم هذه الشظايا إلى صورة أخرى بل هذا هو الجزء الذى لا يحتمل القسمة وهو أصغر الأجزاء فى الصورة ومن عادتنا أن نسمى الأجزاء من البدن الموكلة بفعل واحد من الأفعال إما ضرورى لبدن الحى بأسره وإما نافع له آلات وأما الأجزاء التى هى أكبر من هذه فنسميها أجزاء فقط كما نسمى الرأس بأسره وأما الأجزاء التى هى أصغر من تلك وهى متشابهة الأجزاء غير منقسمة فى الصورة فليس نقتصر على أن نسميها أجزاء فقط لكن نسميها أيضا الأركان المحسوسة من البدن والأركان المحسوسة هى الشظايا من كل واحدة من الآلات وغيرها من أشياء سأذكرها بعد فإن الشريانات والأعصاب والعروق والأمعاء والمعدة والرحم والمثانة كلها على مثال واحد مركبة أبدانها أعنى أجرامها من شظايا ومن أركان البدن المحسوسة معما ذكرت من الشظايا الأغشية أيضا والرباطات وهى العصب واللحم أعنى اللحم البسيط المفرد واللحم الخاص بكل واحد من الأحشاء الذى لقبه قوم بالحشو ومع تلك الأجزاء أيضا العظام والغضاريف والسمين وسائر ما هو على هذا المثال فبالواجب يسمى المسمى هذه أركانا محسوسة لأبداننا وأما الجنس الآخر من الأجزاء الذى هو آلى فما بأس بذكر هذا أيضا فهو العروق الضوارب وغير الضوارب والأعصاب والكلى والمعدة والطحال والكبد والرئة والقلب وما كان من غير ذلك على هذا المثال
[chapter 4]
صفحة ٣٢
٤ وعلى قياس هذا المثال فينبغى أن نتوهم على صناعة القدح للماء فى العين أنها إنما هى جزء من صناعة الطب كلها على مثال ما هو جزء من بدن الإنسان كله العضو الذى يسمى آلة من الآلات وكل واحد من أجزاء صناعة قدح الماء الذى فى العين نظير الأركان المحسوسة من البدن وأجزاء هذه الصناعة هى العلوم التى فى النفس منا وهى التى تسمى أبواب العلم أولها علم جملة صورة المقداح والثانى معرفة الجزء من العين الذى ينبغى يقتدح فيه والثالث معرفة تقدير تعويضه — قال حنين يعنى نحو الحدقة — والرابع معرفة تقدير إحالته والخامس معرفة تقدير الماء ونقله من الموضع الذى يثبت فيه — قال حنين يعنى الحدقة — والسادس معرفة تقدير إبعاده والسابع معرفة تقدير تغليقه فإن هذه الأجزاء هى أقصى العلوم وأقل قليلها وأبسطها وما لا يقبل منها القسمة إلى علوم أخر هى أبسط منها وعلوما قلت أو معارف أو حكما أو أبواب علم فلا تتوهمن أن بين قولى فى هذا فرق أصلا فى هذا الفن الذى قصدنا إليه وكذلك أجزاء قلت أو أعضاء أو نتفا فلا فرق بين ذلك فى هذا الفن فعلم القدح مركب من هذه العلوم الجزئية التى عددت وأما جملة شفاء الماء المتولد فى العين فيحتاج مع هذه الى علمين آخرين أحدهما متقدم فى مرتبته وهو الذى يتقدم فيهيئ والآخر هو الذى به يتم الشفاء فإن الطبيب إذا تضمن علاج من به ماء فى عينيه وكان فى بدنه امتلاء كبير أعنى كثرة من الأخلاط أو خلط ردئ أو صداع فرام قبل أن يصلح من هذه الأشياء أن يعالج عينه بالقدح أحدث ورما فى الطبقات التى ينقبها ويكسب للرأس كله مشاركة فى العلة للعين فكى لا يكون ذلك يحتاج إلى الصناعة التى تتقدم فتعد وتهيئ والغرض فيها أن ينقى جملة البدن من الفضل ويسكن الوجع عن الرأس والعلوم التى منها تكون هذه الأشياء هى أركان صناعة الطب وكذلك أيضا العلوم التى منها من بعد القدح نحفظ العينين حتى لا يحدث فيها ورم ويحفظ الرأس حتى لا يحدث فيه وجع هى أركان من أركان الطب أعنى أجزاء من أقصى أجزائه وما لا يكون أقل منه وينبغى أن ينقل هذا القول الذى أجريته على طريق المثال إلى جميع العلل حتى يكون علم شفاء كل واحد منها أى علة كانت جزءا من الطب نظير لما هو جزء من بدن الحيوان ذلك الجزء الذى يسمى آلة من الآلات وهاهنا أيضا موضع غلط قبل أن نلخص جملة هذا المعنى حتى نستقصى تلخيصها فإن ظانا لعلة يظن أنه كما أن للماء فى العين صناعة تشفيه كذلك للورم على الإطلاق — قال حنين افهم من قوله فى هذا الموضع الورم الذى يحدث عن الدم الذى يسميه اليونانيون فلغمونى فإن هذا وحده يسمونه ورما على الإطلاق — صناعة تشفيه وعلى هذا المثال للقرحة أيضا والكسر والجمرة وسائر العلل وليس كذلك حقيقة الأمر لكن على مثال ما هو جزء من البدن ذلك الذى يقال له آلة — قال حنين افهم عنده قوله آلة فى هذا الموضع آلة على الطريق العام — كذلك هو جزء من الطب معرفة شفاء الورم على مثال ما العين جزء من البدن على ذلك المثال بعينه معرفة شفاء الرمد جزء من الطب وأعنى بالرمد ورما ما يحدث فى اللباس الخارج عن سائر لباس العين وهذا المرض إذا كان فى الرئة يسمى ذات الرئة وإذا كان فى الغشاء المستبطن للأضلاع سمى ذات الجنب فإن هذه العلل إنما هى أورام ما تحدث فى أعضاء ما والحيلة فى شفاء الورم الذى يقال على الطريق الجنسى غير الحيلة فى شفاء الورم المحدود فى أى عضو هو كما أن الآلة التى تقال على الطريق الجنسى هى غير الآلة التى تقال على طريق التلخيص إذ كانت الحيلة لمداواة الورم غير الحيلة لمداواة الورم الحادث فى هذا العضو المشار إليه كما بينت فى مقالاتى من كتاب حيلة البرء
[chapter 5]
صفحة ٣٤
٥ وليس يزعم صاحب التجربة أن مداواة ما جنسية تعقل للورم على انفراده إلا أنه على حال على رأى هذا أيضا ليس على مثال ما يتوهم توهم الورم كذلك يتوهم توهم الماء فى العين لأن العضو فى هذه العلة التى حدثت فيه الآن محدود وليس هو محدودا فى الورم وليس تضطرنا الأمور فى التبيين بأكثر من هذا حتى نرقق فى أشباه هذه من الأشياء الفكر والقول لكنا نجمل القول فى جملة واحدة فنقول إن الطب بالجملة هو معرفة شفاء الأمراض وينقسم إلى أقسام أول هى أولى الأقسام وهى معرفة شفاء الأمراض المفردة والبسيطة وبعدها شفاء الأمراض المركبة ثم بعدها الأمراض التى فى أجزاء من البدن أما أولا ففى أجزاء بسيطة مفردة ثم من بعد فى أجزاء مركبة وقد بينت فى مقالة أفردتها فى تصنيف الأمراض فعنونتها فى أصناف الأمراض كم هى الأمراض البسيطة المفردة وكم هى المركبة وإذ كان شأن الطب ألا يقتصر على إزالة الأبدان عن الأمراض إلى الصحة لكن من شأنه أيضا أن يحفظ على الأصحاء صحتهم كما بينت فى مقالة أخرى صار جزءا آخر من صناعة الطب يقال له حفظ الصحة يوضع فى القسمة بإزاء الجزء الذى تقدم ذكره وهو الجزء الشافى ويصير لهذا الجزء أيضا أجزاء أخر وهى أصناف المعارف التى بها يحفظ كل واحد من أعضاء البدن على صحته وإن كانت أيضا حال أخرى ثالثة للبدن موجودة وهى التى لا ننسبها لا إلى الصحة ولا إلى المرض فقد يجب ضرورة أن يكون هذا أيضا جزءا آخر من هذه الصناعة يشتمل عليها عنايتها وهذه الحال قد يظن أنها حال من بدنه قد اضطرب اضطرابا بينا إلا أنه لم يمرض بعد لكنه يقدر أن يفعل أفعاله على العادة أو ليست به بلية محسوسة لكن به بلية لا تحس مثل من قد عضه الكلب الكلب أو سقى دواء قتالا إنما شأنه أن يقتل فى حال ما وبعد مدة من الزمان طويلة فإن لهذه الأحوال قد يظن أن لها جزءا خاصا مرتبا لمداواتها وهو التقدم فى حفظ الصحة وكذلك الأمر فيمن كان قد خرج عن الحمى مثلا منذ قريب إلا أنه بعد ضعيف يمنعه ضعفه عن أن يستحم وحده من غير معاون فقد أقيم له من صناعة الطب جزء يقال له التلافى والجزء أيضا الذى يسمى تدبير المشائخ قد يظن أنه مرتب لحال البدن الذى ليس بصحيح ولا مريض إذ كانت الشيخوخة ليس هى مرضا بالحقيقة ولا صحة كاملة مستحكمة وقد رتب قوم فى هذا الموضع ذلك الجزء الذى يسمى تدبير الصبيان أعنى فى خلال أجزاء الصناعة التى تعنى بالبدن التى شأنها القصد للعناية بحال الأبدان التى ليست بصحيحة ولا مريضة وهاهنا جزء آخر مع هذه يحفظ خصب البدن بعضهم يسميه خصب البدن وبعضهم يسميه فن الدلك حتى تكون أجزاء الصناعة التى تعنى بالبدن الأول التى هى أعظم أجزائها الجزء الشافى وجزء التلافى وجزء التقدم فى الحفظ للصحة وجزء تدبير المشائخ وجزء تدبير الصبيان وجزء حفظ الصحة وجزء حفظ خصب البدن وهذه الأجزاء أيضا كلها إذا قسمت كما بينا آنفا من قسمة الجزء الشافى صارت إلى أصناف العلوم المفردة البسيطة التى لا تنقسم إلى غيرها وهى التى قلنا أنها أركان صناعة الطب
[chapter 6]
صفحة ٣٨
٦ فهذا الطريق بأسره من القسمة يجرى بحسب حالات الأبدان ولصناعة الطب صنف آخر من القسمة يجرى بحسب أصناف الأعمال فى صناعة الطب وذلك متى قالوا أن أجزاء صناعة الطب الأول التى هى فى غاية العظم هى العلاج باليد واستعمال الأدوية والتدبير وقد يظن بعض الناس أنه قد يمكن أن يجرى هذا الطريق من القسمة بحسب مادة الأسباب وذلك أن جميع ما من شأنه أن تجلب على البدن المرض أو يفيده الصحة إنما يبتدئ إما من التدبير وإما من الأدوية وإما من العلاج باليد لكن الأولى أن يقال فى ذلك أن جميع ما من شأنه أن يفعل ذلك فى البدن إنما هو من الأشياء التى تتناول فترد البدن والأشياء التى تفعل بالبدن والأشياء التى تستفرغ من البدن والأشياء التى تلقاه من خارج فيكون القائل لذلك قد قسم مادة الأسباب وأنا أختصر القول فى ذلك فأجمله فأقول ان قوما جعلوا قسمة جملة الطب إلى أجزائه الملائمة من الحالات التى من شأن صناعة الطب إصلاحها وشفاؤها وحفظها فحكموا بأن عدد أجزاء هذه الصناعة كعدد أصناف حالات البدن وقوما لم يقتصروا على أن جعلوا قسمة الطب إلى أجزائه من هذه فقط لكن من المادة بأسرها التى عند الطبيب معرفتها فأضافوا إلى الأجزاء التى ذكرناها جزء الكلام الطبيعى وجزء الكلام فى الأسباب والجزء الذى يخص بأن يسمى الموادى فعدوها معها وقوما قسموا أجزاء الطب من أفعالها كلها واضافوا إلى التدبير واستعمال الأدوية والعلاج باليد استخراج الدلائل أيضا وقوما قسموا استخراج الدلائل إلى صور العلل وإلى تقدمة المعرفة فأضافوا هذين إلى الأجزاء الثلاثة التى تقدم ذكرها وأما أكثر أصحاب التجربة كما قلت فإنهم لما أن قالوا ان الأجزاء المتممة هى استخراج الدلائل والشفاء والجزء الذى يسمى حفظ الصحة جعلوا أجزاء الشفاء فى قسمتهم له التدبير والعلاج باليد واستعمال الأدوية فأخطؤوا فى التسمية وذلك أنه قد كان يجب عليهم أن يذكروا فى هذا الموضع أسماء العلوم لا أسماء الأفعال ولم يخطؤوا فى الأمور أنفسها فالأولى أن يقال كما قد يقول القليل منهم ان لصناعة الطب جزءا يستخرج الدلائل ولها جزء آخر هو الشافى وجزءها الآخر هو الحافظ للصحة وإن جزء المستخرج للدليل منه تصوير العلل ومنه تقدمة الإنذار وعلى هذا المثال فإن الجزء الشافى منه جزء مدبر ومنه جزء يستعمل الأدوية ومنه جزء يستعمل العلاج باليد ولك أن تسمى هذه الأجزاء التى ذكرناها كلها علوما أيضا فتقول ان هاهنا علما شافيا وعلما مستعملا للعلاج باليد وعلما مدبرا وسائر أجزاء جملة الطب النظائر لهذه الأجزاء وإن قلت مكان العلم معرفة أو حكمة أو باب نظر فلا عليك إذ كان ليس بين ذلك اختلاف فإنه ليس قصدك تتبع الأسماء لكن الوقوف على معرفة أصناف الأمور وأما اعتقادهم أن أجزاء الطب بالجملة الأول الجنسية صنفان فقد أصابوا فى قولهم ذلك غاية الصواب وذلك أن أجزاء الطب بعضها متممة وبعضها مقومة فالأجزاء المتممة هى الأجزاء التى بها يكون قوام غاية الطب والأجزاء المقومة لهذه الأجزاء هى أجزاء أخر وهى أسباب قوامها وكأنها أصناف وجودها وأما ترتيبهم استخراج الدلائل مع الجزء الشافى والجزء الحافظ للصحة حتى سووا بينه وبينهما فى القدر والمرتبة فلم يصيبوا فى ذلك فإن استخراج الدلائل متقدم ضرورة للشفاء وحفظ الصحة من قبل أنه ليس يمكن أحد أن يحفظ صحة إنسان من الناس ولا أن يشفيه من غير أن يعرف حال بدنه كيف هى لكن ليس إنما تتم الغاية المقصود إليها بالطب عن استخراج الدلائل نفسه ومع ذلك فإن الانتقال من الشىء إلى نظيره ليس هو أيضا جزءا مساويا فى القدر والمرتبة للعيان والخبر لكن ليس يحتاج فى هذا القول منى إلى بيان فى هذا الموضع وذلك أن قسيس النظار قد بلغ فى تبيين ذلك فى مقالة بأسرها ولم يكن سارافس من أصحاب التجربة يخالف فى هذا المعنى فمن كان قصده أن يعرف ذلك ممن يسلك سبيل التجربة فلينظر فى تلك المقالة وأما أنا فلأنى أعلم من مذهبك أنك تقصد السبيل التى تؤدى إلى الشفاء بطريق الاستدلال والقياس فأنا جاعل ابتداء ذلك شبيها بما يبتدئ به أصحاب التجربة ثم أقبل على ما يتصل بذلك
[chapter 7]
صفحة ٤٢
٧ فأقول أن أجزاء الطب بعضها خاصية أول أولى الأجزاء بها وهذه الأجزاء هى التى بها تتم الغاية المقصود إليها من هذه الصناعة وبعضها تتقدم هذه ضرورة وبعضها يتقدم أيضا مرتبتها تلك الأجزاء المتقدمة فالأجزاء الخاصية الأول التى هى أولى الأجزاء فعددها كعدد أصناف مادة الطب وأولى المواد بالطب حالات أبداننا كانت اثنتين أو ثلث أو أكثر من ذلك وقد بينت فى المقالة التى وسمتها باسم ثراسوبلس أن الأصناف الأول من حالات الأبدان صنفان لهما اسمان يخصانهما عند جميع الناس فمن عادتنا أن نسمى أحدهما الصحة ونسمى الآخر المرض ولكل واحد من هذين الصنفين أيضا نوعان وذلك أن كل واحد من الصحة والمرض إما أن يكون موجودا على طريق الثبات والتمكن وإما أن يكون موجودا على طريق الإضافة والأجزاء التى تعنى بالصحة الموجودة على طريق الثبات والتمكن تسمى الحافظ للصحة وهذا هو الجزء الذى جعل بعض الناس حفظ خصب البدن جزءا خاصيا له والأجزاء من صناعة الطب التى تعنى بالصحة الموجودة على طريق الإضافة هى الجزء الذى يتقدم فى حفظ الصحة وجزء تلافى الصحة وجزء تدبير المشائخ وأما أجزاء صناعة الطب التى تقصد بعناية المرض الموجود على طريق الثبات والتمكن والمرض الموجود على طريق الإضافة فليست لها أسماء على أن بعض الأمراض قد تسمى مزمنة وبعضها حادة فهذه هى أجزاء هذه الصناعة الأول وأولى الأجزاء بها فأما الأجزاء التى لا يمكن وجود هذه دونها فأولها المستخرجة للدلائل ولهذه جزآن أحدهما المتعرف للأشياء الحاضرة والآخر المنذر بالأشياء الكائنة وذلك أنه ليس يمكن أحد من غير أن يكون قد عرف المرض أن يقف على علاجه ولا يمكنه أن يعالجه على ما ينبغى من غير أن يكون قد عرف مدة إتيان البحران وصورة المرض وقد يتقدم هذين الجزأين ضرورة أجزاء أخر أحدها العلم بالأعضاء كلها وذلك يدرك بتشريح الموتى والثانى العلم بأفعالها والثالث العلم بمنافعها وهذان أيضا يدركان بالعلم بأمر اسطقسات البدن ثم بعلم أمر أصناف المزاج ثم بالعلم ثالثا بأمر القوى الطبيعية والقوى النفسانية مع تشريح الأحياء فإن استخراج الدلائل إلى هذه المبادئ يمكن أن يحل وهى التى قلت أنها متقدمة لا محالة للشفاء ولحفظ الصحة فقد بينت ذلك كله فى الكتب التى خصصتها لها وهاهنا جزء آخر للطب قرين للجزء المستخرج للدليل يتقدم الجزء الشافى وهو المعرفة بأسباب الصحة والمرض كلها وهذا العلم هو الذى يسميه بعض الناس الموادى وبه تعرف مواد الأسباب كلها ومواد الأسباب مصورة فى الأشياء التى ترد البدن والأشياء التى تفعل به والأشياء التى تستفرغ منه والأشياء التى تلقاه من خارج حتى تنظر فى قوة كل واحد من هذه الأشياء التى ذكرناها فتعرفها وقد بينت فى كتابى فى حيلة البرء ما الحاجة إلى هذه فى صناعة الطب
[chapter 8]
صفحة ٤٤
٨ فهذا هو الطريق إلى إدراك صناعة الطب بحسب المادة التى هى أولى المواد بها وأما السبيل إلى إدراك أجزائها التى هى بحسب المادة التى هى أولى بها على الطريق الثانى فتجرى على هذا النحو أقول ان بدن الإنسان هو مادة ثانية لصناعة الطب وكأنه مادة لها على طريق العرض وذلك أن الصحة والمرض إنما هما حالات البدن فإن بدن الإنسان هو مادة ثانية ومادة على طريق العرض للفلسفة الطبيعية أيضا إذ كان قابلا للكون والفساد وكانت الفلسفة الطبيعية إنما شأنها البحث عن ما هو قابل للكون والفساد ولذلك صارت المادة الأولى لهذه أيضا الكون ومن قبل ذلك صار مادتها على طريق العرض الجسم المتكون أيضا فإن بدن الإنسان أيضا إنما صار مادة للعلم الطبيعى من طريق أنه قابل للكون والفساد وليس من هذه الطريق صار مادة لصناعة الطب لكن من طريق أنه قابل للآلام والفساد فلما كان بدن الإنسان كأنه مادة لصناعة الطب فإن صناعة الطب تنقسم من الأجزاء على قدرما يحتمل البدن من القسمة فتكون أصنافها الأول الجنسية صنفين أحدهما فى الأعضاء التى تجرى مجرى الأركان والأخرى (فى) الأعضاء الآلية وإذا قسمنا هذه بأجزائها كانت أجزاء الطب على قدر عدد أعضاء البدن التى تجرى مجرى الأركان والأعضاء الآلية وعلى قدر علل كل واحد منها وذلك أن كل واحد من علل كل واحد من الأعضاء يصير له من الطب جزء يخصه وقد بينا أن جزءا من هذه الأجزاء ينقسم إلى العلاجات الجزئية فى ذكرنا لأمر قدح الماء فإن العلم بهذه هو أجزاء هذه الصناعة بأسرها التى تجرى مجرى الأركان وأما فى العلل التى يكون شفاؤها بالأدوية فالعلم بكل واحد من الأدوية المفردة وكذلك أيضا فى العلل التى يكون برؤها بالتدبير العلم بأصناف التدبير البسيطة وليس من هذه المادة وحدها قد تنحط القسمة إلى الأجزاء الأواخر التى تجرى مجرى الأسطقسات من هذه الصناعة لكن قد ينحط أيضا إليها من القسمة التى ذكرناها قبيل وكذلك أيضا إذا أجريت القسمة على وجه آخر أى وجه كان فلننزل أنا قصدنا لأن نقسم جنسا من أجناس الحالات إلى التى تنتهى إلى أجزائها الأواخر ونجعل ذلك الجنس جنس المرض فتكون القسمة الأولى فى هذا الجنس أن نقول أن بعض الأمراض تعرض فى الأعضاء المتشابهة الأجزاء وبعضها فى الأعضاء الآلية على ما بينا فى المقالة التى وضعناها فى أصناف الأمراض والقسمة الثانية أن بعض الأمراض بسيطة وبعضها مركبة على ما بينا أيضا من ذلك فى تلك المقالة فالعلم بشفاء واحد من هذه الأمراض أيها كان قد يحتاج فيه إلى العلم بالأجزاء التى ليس وراءها غاية فى الصغر الجارية مجرى الاسطقسات وهى تلك الأجزاء التى تقدم ذكرها فلننزل مثلا أنا قصدنا لشفاء مرض حار فلا نعلم أنا لا محالة نحتاج أولا فى شفائه أن نعلم أن الأضداد هى شفاء لأضدادها فإن ذلك قد تبين أنه هو العلم الشامل العام المتقدم لجميع العلوم بأصناف الشفاء ثم من بعد ذلك نحتاج أن نعلم أن المرض الحار إنما ينبغى أن يشفى بالأشياء المبردة ثم من بعد ذلك أن المرض الحار فى الدرجة الأولى مثلا إنما ينبغى أن يشفى بما هو بارد فى الدرجة الأولى ثم من بعد ذلك نحتاج أن نعلم مراتب الأمراض الحارة فى الدرج ومراتب الأدوية المبردة على ما بينا فى كتبنا فى الأدوية فقد يعلم ذلك أن الإنسان من حيث ابتدأ بالقسمة فإنه إذا سلك فيها سبيل الصواب إلى أن ينتهى إلى العلوم الأواخر التى تجرى مجرى الأركان فإن القسمة تؤديه إلى العلوم التى تقدم ذكرها
[chapter 9]
صفحة ٤٦
٩ وكيما تقف على هذا المعنى فيضح لك بأكثر مما هو وضح فأنا ذاكر شيئا من الأقسام الأخر وخاصة القسمة التى استعملناها مرارا كثيرة فأقول أن الأشياء الموجودة فى بدن الحيوان بعضها طبيعية وبعضها خارجة عن الطبيعة والأشياء الخارجة عن الطبيعة بعضها هى أمراض وبعضها أعراض لازمة للأمراض وبعضها أسباب الأمراض فأما الأشياء الطبيعية فينبغى أن يكون عند الطبيب العلم بحفظها وأما الأشياء الخارجة عن الطبيعة فينبغى أن يكون عنده العلم بإزالتها وصرفها وليس هذا موضع ذكر السبل التى يوصل بها إلى كل واحد من هذين الأمرين إذ كنا قد بينا ذلك فى مواضع أخر وغرضى فى هذا الموضع أن أعدد كل واحد من الأشياء التى ذكرتها فأقسمه القسمة التى هى أولى به إلا أنى قد كتبت فى كل واحد منها فكتبت فى الأمراض فى المقالة التى رسمتها فى أصناف الأمراض وكتبت فى الأسباب أيضا على انفرادها مقالة أخرى وكذلك أيضا فإنى كتبت فى الأعراض مقالة أخرى وذكرت أصناف الأبدان الصحيحة كلها فى كتابى فى حفظ الأصحاء وذكرت فيه أيضا كيف ينبغى أن يعنى بكل واحد منها وحللناها إلى أن بلغنا إلى العلوم المفردة التى تجرى مجرى الأركان وكذلك أيضا فعلنا فى أمر الأمراض والأسباب والأعراض فى كتابنا فى حيلة البرء فإن فى هذه القسمة أيضا الأجزاء الأول لهذه الصناعة والتى هى أولى الأجزاء بها ليس توجد غير تلك التى ذكرناها آنفا وكذلك أيضا الأجزاء التى هى أول على الطريق الثانى والتى هى أول على الطريق الثالث على ما ذكرنا وأن هذه أيضا قد ينبغى أن تقسم إلى أن نبلغ بها إلى البسيطة المفردة التى ليس وراءها غاية فإن الإنسان من حيث ابتدأ بالقسمة إذا سلك فيها سبيل الصواب فقسمته تؤدى لا محالة إلى العلوم التى تجرى مجرى الأركان وأما أن للإنسان أن يقسم كل واحد من الأمور التى توضع للقسمة على وجوه كثيرة فلم يقتصر الحذاق من الفلاسفة ومن يتقدم سائرهم فى البلاغة على أن قالوا ذلك قولا مجردا لكن قد مثله قوم منهم كما فعل فلاطن فى مقالتين بأسرهما إحداهما موسومة بسوفسطيس والأخرى فوليطيقوس فليس ينبغى لك أن ترتاب لكثرة التقسيم ولا تجعل نظرك وتفقدك من أمر من تقدمنا هل قسموا الطب بطرق مختلفة بل هل أتوا على جميع ما يحتوى عليه فلم يبقوا شيئا فإن من لزم ذلك كان قد سلك فى القسمة سبيل القصد والأفضل على ما قلت آنفا أن تجعل مبدأ القسمة من المادة التى هى أولى المواد ثم عند ذلك تضيف إليها سائر أصناف القسمة على الطريق والسبيل التى ذكرناها
صفحة غير معروفة