(( قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين علي صلى الله عليه، ثم قبض أمير المؤمنين علي صلى الله عليه فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، ثم قبض أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسين بن علي عليهما السلام، ثم سكت.
وقال: الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان.
وقال: نحن ولاة أمر الله، وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) .
وقال (ع) - في كتاب تثبيت الوصية بعد إثبات الوصية من حيث هي ، وإثبات كونها في أمير المؤمنين (ع) خاصة ، ثم إثبات أن أحق الناس بالناس وأولاهم بهم الحسن والحسين على الترتيب لأنهما ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - :
(( فإن قالوا: فمن أولى الناس بعد الحسين؟
فقولوا: آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولادهما أفضلهم أعلمهم بالدين، الداعي إلى كتاب الله، الشاهر سيفه في سبيل الله.
فإن لم يدع منهم داع. فهم أئمة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم وأتقياؤهم )) .
مما سبق يتضح صحة ما قدمناه من أن حضور أهل البيت (ع) في نظر الإمام زيد إنما هو القيادة الإسلامية ؛ المرجعية والإمامة ، بل إنه عليه السلام لا يشك في فريضة اتباع أهل البيت أبدا بل إنه يحلف بالله ويقول : (( وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) .ومن كلام له في الإمامة : ¶ (( قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين علي صلى الله عليه، ثم قبض أمير المؤمنين علي صلى الله عليه فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، ثم قبض أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسين بن علي عليهما السلام، ثم سكت. ¶ وقال: الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان. ¶ وقال: نحن ولاة أمر الله، وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) . ¶ وقال (ع) - في كتاب تثبيت الوصية بعد إثبات الوصية من حيث هي ، وإثبات كونها في أمير المؤمنين (ع) خاصة ، ثم إثبات أن أحق الناس بالناس وأولاهم بهم الحسن والحسين على الترتيب لأنهما ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - : ¶ (( فإن قالوا: فمن أولى الناس بعد الحسين؟ ¶ فقولوا: آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولادهما أفضلهم أعلمهم بالدين، الداعي إلى كتاب الله، الشاهر سيفه في سبيل الله. ¶ فإن لم يدع منهم داع. فهم أئمة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم وأتقياؤهم )) . ¶ مما سبق يتضح صحة ما قدمناه من أن حضور أهل البيت (ع) في نظر الإمام زيد إنما هو القيادة الإسلامية ؛ المرجعية والإمامة ، بل إنه عليه السلام لا يشك في فريضة اتباع أهل البيت أبدا بل إنه يحلف بالله ويقول : (( وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) .
البيت و( مشايعتهم ) أمر متقرر في فكر الإمام ، بل هو أمر بالنسبة له ضروري كما هو واضح مما يدل على أن هذا الفكر ليس فكرا جديدا عليه ، إنه هو الفكر الذي لقنه منذ نعومة أظافره ولم يتلق سواه ؛ إنه فكر أهل البيت (ع) ولا شك ؛ زين العابدين ، والحسين ، وأمير المؤمنين ، مأخوذ من عين صافية عبر تلك المجاري الطاهرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !
لماذا أهل البيت ؟!!
سؤال قد يتردد على الأذهان ، لكن إمامنا (ع) كونه يطرح قضية أهل البيت ويجعلها قضيته الأهم لا بد أن يجيب عليه ، فما إجابته عنده (ع) ؟
يقول (ع) في كتاب تثبيت الوصية :
(( وقال: ?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا? [الأحزاب: 33].
ثم فرض مودتهم فقال: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23] يقول: أن تودوني في قرابتي.
ثم فرض لهم الخمس فيما غنم المسلمون من شيء: سهمه تعالى، وسهم رسوله دون المؤمنين، فقال: ? واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى?[الأنفال: 41].
فعرفنا أن الفضل والخيرة لأهل هذا البيت، الذي فضله الله على جميع البيوت، لأنهم جمعوا السبق والتطهير، فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرهم، لأنه خير الناس، وأفضلهم عند الله، وينبغي أن يكونوا قادة الناس إلى يوم القيامة؛ لأن الله عز وجل يقول: ?أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون?[يونس: 35]. وقال:? إنما أنت منذر ولكل قوم هاد?[الرعد: 7].
فلا ينبغي أن يكون الهادي إلا أعلمهم؛ لأن الله عز وجل اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وطهره وعلمه، وجعله القائد المعلم، ومن بعده علي عليه السلام على منهاجه، يحتاج إليه الناس ولا يحتاج إليهم، فإن الله عزوجل قد فضلهم على الخلق بالهدى والطاعة، وأعلم الناس عصمتهم، فلايضلون عن الحق أبدا، والدليل على ذلك ماقد بينت لكم من قوله: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23]. وقال: ?لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون?[المجادلة: 22].
فلو كانوا ممن يحاد الله ورسوله، لم يفرض مودتهم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا - ولن تذلوا - كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
وقال: ?واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل? [الأنفال: 41].
فإن قالوا: فإن الله قد جعل لليتامى والمساكين وابن السبيل، فقولوا: ألا ترون أن الله تعالى قد فرض الخمس لنفسه، وفرضه من بعده لرسوله، وإنما صار لرسوله لفضله عند الله، ولو كان أحد أفضل منهم لكان أحق به منهم. فجروا في ذلك مجرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وإنما فرض الله لليتامى نصيبهم من الخمس ليتمهم، فإذا ذهب يتمهم فلا حق لهم. وإنما فرض للمساكين نصيبهم من الخمس بدل مسكنتهم، فإذا ذهبت عنهم المسكنة فلا حق لهم فيه، وإنما فرض لابن السبيل نصيبهم بدلا من الغربة، فإذا بلغوا بلادهم فلا حق لهم فيه، وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل حال في الغنى والفقر، وهو لذوي القربى على كل حال بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله عز وجل جعل لهم ذلك لما حرم عليهم من الصدقة إذ لم يرضها لهم.
)) .وهذا اليمين في غاية الأهمية ؛ إذ فيه دلالة واضحة على أن وجوب اتباع أهل البيت و ( مشايعتهم ) أمر متقرر في فكر الإمام ، بل هو أمر بالنسبة له ضروري كما هو واضح مما يدل على أن هذا الفكر ليس فكرا جديدا عليه ، إنه هو الفكر الذي لقنه منذ نعومة أظافره ولم يتلق سواه ؛ إنه فكر أهل البيت (ع) ولا شك ؛ زين العابدين ، والحسين ، وأمير المؤمنين ، مأخوذ من عين صافية عبر تلك المجاري الطاهرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! ¶ لماذا أهل البيت ؟!! ¶ سؤال قد يتردد على الأذهان ، لكن إمامنا (ع) كونه يطرح قضية أهل البيت ويجعلها قضيته الأهم لا بد أن يجيب عليه ، فما إجابته عنده (ع) ؟ ¶ يقول (ع) في كتاب تثبيت الوصية : ¶ (( وقال: ?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا? [الأحزاب: 33]. ¶ ثم فرض مودتهم فقال: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23] يقول: أن تودوني في قرابتي. ¶ ثم فرض لهم الخمس فيما غنم المسلمون من شيء: سهمه تعالى، وسهم رسوله دون المؤمنين، فقال: ? واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى?[الأنفال: 41]. ¶ فعرفنا أن الفضل والخيرة لأهل هذا البيت، الذي فضله الله على جميع البيوت ، لأنهم جمعوا السبق والتطهير، فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرهم، لأنه خير الناس، وأفضلهم عند الله، وينبغي أن يكونوا قادة الناس إلى يوم القيامة؛ لأن الله عز وجل يقول: ?أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون?[يونس: 35]. وقال:? إنما أنت منذر ولكل قوم هاد?[الرعد: 7]. ¶ فلا ينبغي أن يكون الهادي إلا أعلمهم؛ لأن الله عز وجل اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وطهره وعلمه، وجعله القائد المعلم، ومن بعده علي عليه السلام على منهاجه، يحتاج إليه الناس ولا يحتاج إليهم، فإن الله عزوجل قد فضلهم على الخلق بالهدى والطاعة، وأعلم الناس عصمتهم، فلايضلون عن الحق أبدا، والدليل على ذلك ماقد بينت لكم من قوله: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23]. وقال: ?لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون?[المجادلة: 22]. ¶ فلو كانوا ممن يحاد الله ورسوله، لم يفرض مودتهم. ¶ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا - ولن تذلوا - كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)). ¶ وقال: ?واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل? [الأنفال: 41]. ¶ فإن قالوا: فإن الله قد جعل لليتامى والمساكين وابن السبيل، فقولوا: ألا ترون أن الله تعالى قد فرض الخمس لنفسه، وفرضه من بعده لرسوله، وإنما صار لرسوله لفضله عند الله، ولو كان أحد أفضل منهم لكان أحق به منهم. فجروا في ذلك مجرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ¶ وإنما فرض الله لليتامى نصيبهم من الخمس ليتمهم، فإذا ذهب يتمهم فلا حق لهم. وإنما فرض للمساكين نصيبهم من الخمس بدل مسكنتهم، فإذا ذهبت عنهم المسكنة فلا حق لهم فيه، وإنما فرض لابن السبيل نصيبهم بدلا من الغربة، فإذا بلغوا بلادهم فلا حق لهم فيه، وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل حال في الغنى والفقر، وهو لذوي القربى على كل حال بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله عز وجل جعل لهم ذلك لما حرم عليهم من الصدقة إذ لم يرضها لهم. ¶ )) .
نعم ؛ أليسوا ذرية نبي هذه الأمة البشير النذير ، أوليسوا السابقين في دين الله ؟!
(( وأحق الناس بالناس وأولاهم بهم الحسن والحسين؛ لأنهما ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعقبه )) . [ كتاب تثبيت الوصية ]
(( فقد نظرنا لكم وأردنا صلاحكم، ونحن أولى الناس بكم، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جدنا، والسابق إليه المؤمن به أبونا، وبنته سيدة النسوان أمنا، فمن نزل منكم منزلتنا؟ )) [ رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة ]
(( عباد الله فأسرعوا بالإنابة وابذلوا النصيحة، فنحن أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل القرآن ، وفينا كان يهبط جبريل عليه السلام، ومن عندنا اقتبس الخير، فمن علم خيرا فمنا اقتبسه، ومن قال خيرا فنحن أصله، ونحن أهل المعروف، ونحن الناهون عن المنكر، ونحن الحافظون لحدود الله )). [ رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة ]
القيادة الدينية ( المرجعية ) :
(( الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان .... نحن ولاة أمر الله، وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) . [ من كلام له في الإمامة ]
فإن لم يدع منهم داع. فهم أئمة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم وأتقياؤهم. [ تثبيت الوصية ]
من هاتين الفقرتين يتضح عمق المكانة الدينية لأهل البيت (ع) في نظر الإمام زيد بن علي (ع) ؛ فهم والكتاب الثقلان ، ومعروف مكانة القرآن في هذه الأمة ... فأهل البيت هم قرناء الكتاب في نظره وهم الثقل الثاني ، وهذا الموضوع يذكرنا بالحديث الشهير المتواتر المشهور ب( حديث الثقلين ) الذي استدل به الإمام (ع) في كتاب تثبيت الوصية على ( عصمتهم ) وأنهم ( لا يضلون عن الحق أبدا ) ؛ إنه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا - ولن تذلوا - كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )).
إلا أن قول الإمام زيد (ع) في أهل البيت : لا يضلون عن الحق أبدا . يوحي بأنهم عنده معصومون أفرادا ، يقوي هذا ما جاء قبل هذه الجملة من قوله : وأعلم [ أي الله تعالى ] الناس عصمتهم . لكنه يرد على هذا المفهوم وينكره ولا يقبله ، فيعلن قائلا :
(( إنما نحن مثل الناس ، منا المخطئ ومنا المصيب، فسائلونا ولا تقبلوا منا إلا ما وافق كتاب الله وسنة نبيئه صلى الله عليه وآله وسلم )) . [ من كلام له عن أهل البيت ]
وكأن هذا المفهوم - أعني مفهوم عصمة الأفراد - كان قد بدأ يسري في عقول عامة الشيعة ، فأعلن الإمام (ع) إنكاره ، فنظرة الإمام زيد (ع) لأهل البيت نظرة وسطية ؛ فهو ينظر إليهم على أنهم هداة الأمة ، وأنهم معصومون على سبيل الجملة ، لكن هذه الكلية لا تبرر خطأ المخطئ فيكون صوابا ، ولا ترفع من دخل في دائرتها إلى درجة لم يبلغها .ويمكن تلخيص جميع ما تقدم في قوله (ع) : (( لأنهم جمعوا السبق والتطهير ! )) ¶ نعم ؛ أليسوا ذرية نبي هذه الأمة البشير النذير ، أوليسوا السابقين في دين الله ؟! ¶ (( وأحق الناس بالناس وأولاهم بهم الحسن والحسين؛ لأنهما ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعقبه )) . [ كتاب تثبيت الوصية ] ¶ (( فقد نظرنا لكم وأردنا صلاحكم، ونحن أولى الناس بكم، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جدنا، والسابق إليه المؤمن به أبونا، وبنته سيدة النسوان أمنا، فمن نزل منكم منزلتنا؟ )) [ رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة ] ¶ (( عباد الله فأسرعوا بالإنابة وابذلوا النصيحة، فنحن أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل القرآن ، وفينا كان يهبط جبريل عليه السلام، ومن عندنا اقتبس الخير، فمن علم خيرا فمنا اقتبسه، ومن قال خيرا فنحن أصله، ونحن أهل المعروف، ونحن الناهون عن المنكر، ونحن الحافظون لحدود الله )). [ رسالة الإمام زيد إلى علماء الأمة ] ¶ القيادة الدينية ( المرجعية ) : ¶ (( الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان .... نحن ولاة أمر الله، وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم )) . [ من كلام له في الإمامة ] ¶ فإن لم يدع منهم داع. فهم أئمة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم وأتقياؤهم. [ تثبيت الوصية ] ¶ من هاتين الفقرتين يتضح عمق المكانة الدينية لأهل البيت (ع) في نظر الإمام زيد بن علي (ع) ؛ فهم والكتاب الثقلان ، ومعروف مكانة القرآن في هذه الأمة ... فأهل البيت هم قرناء الكتاب في نظره وهم الثقل الثاني ، وهذا الموضوع يذكرنا بالحديث الشهير المتواتر المشهور ب( حديث الثقلين ) الذي استدل به الإمام (ع) في كتاب تثبيت الوصية على ( عصمتهم ) وأنهم ( لا يضلون عن الحق أبدا ) ؛ إنه قول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم : (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا - ولن تذلوا - كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )). ¶ إلا أن قول الإمام زيد (ع) في أهل البيت : لا يضلون عن الحق أبدا . يوحي بأنهم عنده معصومون أفرادا ، يقوي هذا ما جاء قبل هذه الجملة من قوله : وأعلم [ أي الله تعالى ] الناس عصمتهم . لكنه يرد على هذا المفهوم وينكره ولا يقبله ، فيعلن قائلا : ¶ (( إنما نحن مثل الناس ، منا المخطئ ومنا المصيب، فسائلونا ولا تقبلوا منا إلا ما وافق كتاب الله وسنة نبيئه صلى الله عليه وآله وسلم )) . [ من كلام له عن أهل البيت ] ¶ وكأن هذا المفهوم - أعني مفهوم عصمة الأفراد - كان قد بدأ يسري في عقول عامة الشيعة ، فأعلن الإمام (ع) إنكاره ، فنظرة الإمام زيد (ع) لأهل البيت نظرة وسطية ؛ فهو ينظر إليهم على أنهم هداة الأمة ، وأنهم معصومون على سبيل الجملة ، لكن هذه الكلية لا تبرر خطأ المخطئ فيكون صوابا ، ولا ترفع من دخل في دائرتها إلى درجة لم يبلغها .
ولذلك وجه أحد أبناء المدينة سؤالا في هذا إلى الإمام زيد (ع) ، فأجابه الإمام إجابة شافية لنا بكل وضوح نظريته في هذه المسألة ؛ فقال :
(( وكتبت تسألني عن أهل بيتي وعن إختلافهم. فاعلم يرحمك الله تعالى أن أهل بيتي فيهم المصيب وفيهم المخطيء، غير أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم، فلا يصرفك عنهم الجاهلون، ولا يزهدك فيهم الذي لا يعلمون، وإذا رأيت الرجل منصرفا عن هدينا، زاهدا في علمنا، راغبا عن مودتنا، فقد ضل ولا شك عن الحق، وهو من المبطلين الضالين، وإذا ضل الناس عن الحق، لم تكن الهداة إلا منا، فهذا قولي يرحمك الله تعالى في أهل بيتي )) .
نعم ؛ ونظرية الإمام زيد (ع) في وجوب اتباع أهل البيت هي ذات أفق واسع وأهداف في غاية الأهمية ، لأنه يرى أن سبب تشتت الأمة وتفرقها وتشرذمها إنما هو عدم احتكامهم ورجوعهم إلى خط أهل البيت (ع) ، فلذلك نشأت المذاهب والفرق وتعددت الأهواء ، وتبرأ كل من الآخر ونبزه بأسوأ الألقاب ، ومنذ ذلك الحين البعيد ! وكل أراد أن يكون متبوعا لا تابعا وأن يؤخذ بتأويله للقرآن وإن كان لا يؤوله إلا وفق هواه ، وإلا فوصمة الضلال قد نزلت على من أبى اتباعه ، هكذا دون دليل جعل فلانا هو المتبوع دون فلان .
يقول (ع) في مقدمة كتاب الصفوة : (( وقد رأيت ما وقع الناس فيه من الاختلاف، تبرأوا [من بعضهم] وتأولوا القرآن برأيهم على أهوائهم،[و] اعتنقت كل فرقة منهم هوى، ثم تولوا عليه، وتأولوا القرآن على رأيهم ذلك ، بخلاف ما تأوله عليه غيرهم، ثم برئ بعضهم من بعض، وكلهم يزعم فيما يزين له أن على هدى في رأيه وتأوله، وأن من خالفه على ضلالة أو كفر أو شرك، لابد لكل أهل هوى منهم أن يقولوا بعض ذلك.
وكل أهل هوى من أهل هذه القبلة يزعمون أنهم أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وآله، وأعلمهم بالكتاب الذي جاء به، وأنهم أحق الناس بكل آية ذكر الله فيها صفوة أو حبوة أو هدى لأمة محمد صلى الله عليه وآله، وكلهم يزعم أن من خالفهم - في رأيهم وتأويلهم - من أهل بيت نبيهم برؤا منه، وأن أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله لن يهتدوا إلا بمتابعتهم إياهم )) .
ثم أخذ (ع) يذم التفرق والاختلاف ، بل إنه - لما رآه وعاينه - لم يعد مقتنعا بأن ما أمامه أمة واحدة ، بل هم أمم وأديان ؛ إذ ليس الأخوان في الدين بالذين يتبرأ بعضهم من بعض ويقتل بعضهم بعضا ؛ يقول (ع) في نفس المقدمة :
(( فإن قلت: هم أمة محمد صلى الله عليه وآله لأنهم كانوا مجتمعين في عهده، كما أمرهم الله عز وجل. قلنا: نعم، فلما تفرقوا كما تفرق من كان قبلهم وقد نهوا عن التفرق صاروا أمما كما كان من قبلهم حين تفرقوا بعد أن كانوا أمة واحدة، قال الله تبارك وتعالى: ? واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون? [آل عمران: 103]. وليس الإخوان في الدين بالذين يتبرأ بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم بعضا، قال الله تبارك وتعالى: ?ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم?[آل عمران: 105].
وقد بين الله لكم أمر من كان قبل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بني إسرائيل كانوا أمة في عهد موسى صلى الله عليه، فلما تفرقوا سماهم الله أمما، فقال: ?وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون?[الأعراف: 168]. بلوا لأنهم تفرقوا بعد موسى، يزعمون كلهم أنهم متبعون لموسى مصدقون بالتوراة ويستقبلون قبلة واحدة، قال الله تبارك وتعالى: ?ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة?[آل عمران: 113] فسماهم الله أهل الكتاب، ثم سمى أهل الحق منهم أمة قائمة، ثم وصفها، فقال: ?يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين?[آل عمران: 113 - 114].
فكل فرقة من أهل هذه القبلة نصبوا أديانا يتأولون عليها ويتبرأون ممن خالفهم، فهم أمة على هدى كانوا أم على ضلالة، قال الله جل جلاله: ?إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين?[النحل:120]. فسماه الله حين كان على دين لم يكن عليه أحد غيره: أمة. قال الله جل ثناؤه لقوم اتبعوا ضلالة آبائهم: ?إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون?[الزخرف: 23].
وكذلك تفرقت هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، أمما، كما تفرقت بنو إسرائيل بعد موسى أمما، وقد قال الله جل ثناؤه: ?ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون?[الأعراف: 159].
)) .
أين الحل ؟!
الحل في نظر الإمام ليس إلا التزام منهج أهل البيت ، يواصل الإمام حديثه ويقول :
(( واعلم أنما أصاب الناس من الفتن والاختلاف وشبهت عليهم الأمور إلا من قبل ما أذكر لك، فأحسن النظر في كتابي هذا، واعلم أنك لن تستشفي بأول قولي حتى تبلغ آخره إن شاء الله.
وذلك أنهم لم يروا لأهل بيت نبيهم صلى الله عليه فضلا عليهم - يعترفون لهم به - في قرابتهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا علما بالكتاب ينتهون إلى شيء من قولهم فيه، فلما جاز لهم إنكار فضلهم، جاز ذلك لبعضهم على بعض.ولعل التساؤل عن وجوب اتباع أهل البيت مع اختلافهم كان موجودا آنذاك ، ولذلك وجه أحد أبناء المدينة سؤالا في هذا إلى الإمام زيد (ع) ، فأجابه الإمام إجابة شافية لنا بكل وضوح نظريته في هذه المسألة ؛ فقال : ¶ (( وكتبت تسألني عن أهل بيتي وعن إختلافهم. فاعلم يرحمك الله تعالى أن أهل بيتي فيهم المصيب وفيهم المخطيء، غير أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم، فلا يصرفك عنهم الجاهلون، ولا يزهدك فيهم الذي لا يعلمون ، وإذا رأيت الرجل منصرفا عن هدينا، زاهدا في علمنا، راغبا عن مودتنا، فقد ضل ولا شك عن الحق، وهو من المبطلين الضالين، وإذا ضل الناس عن الحق، لم تكن الهداة إلا منا، فهذا قولي يرحمك الله تعالى في أهل بيتي )) . ¶ نعم ؛ ونظرية الإمام زيد (ع) في وجوب اتباع أهل البيت هي ذات أفق واسع وأهداف في غاية الأهمية ، لأنه يرى أن سبب تشتت الأمة وتفرقها وتشرذمها إنما هو عدم احتكامهم ورجوعهم إلى خط أهل البيت (ع) ، فلذلك نشأت المذاهب والفرق وتعددت الأهواء ، وتبرأ كل من الآخر ونبزه بأسوأ الألقاب ، ومنذ ذلك الحين البعيد ! وكل أراد أن يكون متبوعا لا تابعا وأن يؤخذ بتأويله للقرآن وإن كان لا يؤوله إلا وفق هواه ، وإلا فوصمة الضلال قد نزلت على من أبى اتباعه ، هكذا دون دليل جعل فلانا هو المتبوع دون فلان . ¶ يقول (ع) في مقدمة كتاب الصفوة : (( وقد رأيت ما وقع الناس فيه من الاختلاف، تبرأوا [من بعضهم] وتأولوا القرآن برأيهم على أهوائهم،[و] اعتنقت كل فرقة منهم هوى، ثم تولوا عليه، وتأولوا القرآن على رأيهم ذلك ، بخلاف ما تأوله عليه غيرهم، ثم برئ بعضهم من بعض، وكلهم يزعم فيما يزين له أن على هدى في رأيه وتأوله، وأن من خالفه على ضلالة أو كفر أو شرك، لابد لكل أهل هوى منهم أن يقولوا بعض ذلك. ¶ وكل أهل هوى من أهل هذه القبلة يزعمون أنهم أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وآله، وأعلمهم بالكتاب الذي جاء به، وأنهم أحق الناس بكل آية ذكر الله فيها صفوة أو حبوة أو هدى لأمة محمد صلى الله عليه وآله، وكلهم يزعم أن من خالفهم - في رأيهم وتأويلهم - من أهل بيت نبيهم برؤا منه، وأن أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله لن يهتدوا إلا بمتابعتهم إياهم )) . ¶ ثم أخذ (ع) يذم التفرق والاختلاف ، بل إنه - لما رآه وعاينه - لم يعد مقتنعا بأن ما أمامه أمة واحدة ، بل هم أمم وأديان ؛ إذ ليس الأخوان في الدين بالذين يتبرأ بعضهم من بعض ويقتل بعضهم بعضا ؛ يقول (ع) في نفس المقدمة : ¶ (( فإن قلت: هم أمة محمد صلى الله عليه وآله لأنهم كانوا مجتمعين في عهده، كما أمرهم الله عز وجل. قلنا: نعم، فلما تفرقوا كما تفرق من كان قبلهم وقد نهوا عن التفرق صاروا أمما كما كان من قبلهم حين تفرقوا بعد أن كانوا أمة واحدة، قال الله تبارك وتعالى: ? واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون? [آل عمران: 103]. وليس الإخوان في الدين بالذين يتبرأ بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم بعضا، قال الله تبارك وتعالى: ?ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم?[آل عمران: 105]. ¶ وقد بين الله لكم أمر من كان قبل أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بني إسرائيل كانوا أمة في عهد موسى صلى الله عليه، فلما تفرقوا سماهم الله أمما، فقال: ?وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون?[الأعراف: 168]. بلوا لأنهم تفرقوا بعد موسى، يزعمون كلهم أنهم متبعون لموسى مصدقون بالتوراة ويستقبلون قبلة واحدة، قال الله تبارك وتعالى: ?ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة?[آل عمران: 113] فسماهم الله أهل الكتاب، ثم سمى أهل الحق منهم أمة قائمة، ثم وصفها، فقال: ?يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين?[آل عمران: 113 - 114]. ¶ فكل فرقة من أهل هذه القبلة نصبوا أديانا يتأولون عليها ويتبرأون ممن خالفهم، فهم أمة على هدى كانوا أم على ضلالة، قال الله جل جلاله: ?إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين?[النحل:120]. فسماه الله حين كان على دين لم يكن عليه أحد غيره: أمة. قال الله جل ثناؤه لقوم اتبعوا ضلالة آبائهم: ?إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون?[الزخرف: 23]. ¶ وكذلك تفرقت هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، أمما، كما تفرقت بنو إسرائيل بعد موسى أمما، وقد قال الله جل ثناؤه: ?ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون?[الأعراف: 159]. ¶ )) . ¶ أين الحل ؟! ¶ الحل في نظر الإمام ليس إلا التزام منهج أهل البيت ، يواصل الإمام حديثه ويقول : ¶ (( واعلم أنما أصاب الناس من الفتن والاختلاف وشبهت عليهم الأمور إلا من قبل ما أذكر لك، فأحسن النظر في كتابي هذا، واعلم أنك لن تستشفي بأول قولي حتى تبلغ آخره إن شاء الله. ¶ وذلك أنهم لم يروا لأهل بيت نبيهم صلى الله عليه فضلا عليهم - يعترفون لهم به - في قرابتهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا علما بالكتاب ينتهون إلى شيء من قولهم فيه، فلما جاز لهم إنكار فضلهم، جاز ذلك لبعضهم على بعض.
مهاجر، أو أعجمي أو عربي - من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجاز لهم - فيما بينهم إذ لم يروا لأهل بيت نبيهم فضلا عليهم - أن يتأول كل من قرأ القرآن برأيه، ثم يقول هو ومن تابعه على رأيه: نحن أعلم الناس بالقرآن وأهداهم فيه. فخالفهم ضرباؤهم - من الناس في رأيهم وتأولهم - وأكفاؤهم في السنة. وقد قرأوا القرآن مثل قراءتهم، وأقروا من تصديق النبي صلى الله عليه وآله بمثل ما أقروا به، فمن هنالك اختلفوا ولا يرجع بعضهم إلى بعض، فانظر فيما أصف لك.
فلعمري إنا لنعلم أن أعلم الناس أعلمهم بالقرآن، وأن أهدى الناس لمن عمل به المتبع لما فيه، ولقد قال الله جل ثناؤه: ?إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا?[الإسراء: 9].
ولكن انظر - إذا تفرق الناس وكلهم يقر بالكتاب وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضهم ينتحل الهدى دون بعض - هل في كتاب الله عز وجل تفضيل لبعض أهل هذه القبلة على بعض؟ فينبغي أن تعرف أهل ذلك التفضيل في كتاب الله جل ثناؤه، وتفضلهم بما فضلهم الله عز وجل، وتكون بهم مقتديا. )) .وسمي كل من استقبل القبلة وقرأ القرآن - من مؤمن أو منافق، أو أعرابي أو مهاجر، أو أعجمي أو عربي - من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجاز لهم - فيما بينهم إذ لم يروا لأهل بيت نبيهم فضلا عليهم - أن يتأول كل من قرأ القرآن برأيه، ثم يقول هو ومن تابعه على رأيه: نحن أعلم الناس بالقرآن وأهداهم فيه. فخالفهم ضرباؤهم - من الناس في رأيهم وتأولهم - وأكفاؤهم في السنة. وقد قرأوا القرآن مثل قراءتهم، وأقروا من تصديق النبي صلى الله عليه وآله بمثل ما أقروا به، فمن هنالك اختلفوا ولا يرجع بعضهم إلى بعض، فانظر فيما أصف لك. ¶ فلعمري إنا لنعلم أن أعلم الناس أعلمهم بالقرآن، وأن أهدى الناس لمن عمل به المتبع لما فيه، ولقد قال الله جل ثناؤه: ?إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا?[الإسراء: 9]. ¶ ولكن انظر - إذا تفرق الناس وكلهم يقر بالكتاب وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضهم ينتحل الهدى دون بعض - هل في كتاب الله عز وجل تفضيل لبعض أهل هذه القبلة على بعض؟ فينبغي أن تعرف أهل ذلك التفضيل في كتاب الله جل ثناؤه، وتفضلهم بما فضلهم الله عز وجل، وتكون بهم مقتديا. )) .
مسألة الإمامة في نظر الإمام (ع) مسألة لا بد منها ، فلا بد للناس من وال يقيم أمورهم ويدبر شئونهم ، لكنها مع ذلك تخضع للموازين الشرعية ، فليس للناس اختيار الإمام - الذي لا بد منه - إلا وفق موازين الشارع ، وبعد النظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله ؛ يقول الإمام [ كتاب تثبيت الإمامة ] :
(( ثم سألنا الفريقين جميعا هل للناس بد من وال يصلي بهم، ويقيم أعيادهم، ويجبي زكاتهم، ويعطيها فقراءهم، ويأخذ غنائمهم ويقسمها، ويقضي بينهم، ويأخذ لضعيفهم من قويهم، ويقيم حدودهم؟ فاجتمع الفريقان على أنه لابد من وال يقوم فيهم بالحق، ويعمل فيهم بالسنة. فقبلنا منهم، وشهدنا أنه الحق، وأنه لابد للناس من وال يقوم فيهم بالحق، ويعمل فيهم بالسنن.
ثم سألنا الفريقين هل للناس أن يتبرعوا بتولية رجل يجعلونه إماما وخليفة عليهم قبل أن ينظروا في كتاب الله عز وجل والسنة؟ فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وبفضله يولونه عليهم، لفضله عليهم في الكتاب والسنة. فاجتمع الفريقان على أن ليس للأمة أن يتبرعوا بولاية رجل يختارونه ويجعلونه عليهم واليا، يحكم بينهم، دون أن ينظروا في كتاب الله عز وجل والسنة، فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفضله ولوه عليهم، وإن لم يجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفضله كانت لهم الشورى بعد ذلك بما وافق الكتاب والسنة. فلما أجمعوا على ذلك قبلنا منهم، وشهدنا أنه ليس للأمة أن يتبرعوا بتولية وال على أن يجعلوه الخليفة والإمام دون أن ينظروا في الكتاب والسنة )) .
ثم جعل عليه السلام يتتبع صفات الإمام أخذا وردا وفق الموازين الشرعية ليصل في النهاية إلى استحقاق أمير المؤمنين (ع) لها ، وذلك حيث الميزان الشرع لا الرأي .
إلا أن لنا تنبيها هنا بخصوص كتاب ( تثبيت الإمامة ) وهو أن الإمام زيدا بنى كلامه فيه على إثبات المذهب بما يلتزمه الخصم أصلا ، وعلى ذلك فربما أتى بأدلة توهم في ظاهرها أن لا منصب معين للإمامة ، وهذا خلاف ما صرح به أكثر من مرة وأسلفنا ذكره عنه ، يوضح هذا قوله (ع) :
(( ثم سألنا الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استخلف علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه وسلامه - ومضى: هل لكم بينة عدول من غيركم على ما ادعيتم فنصدقكم ونقضي لكم؟
قالوا: لا نجد بينة عدولا من غيرنا .
ثم سألنا الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضى ولم يستخلف أحدا - وأنه جعل ذلك إليهم ليختاروا لأنفسهم، فاختاروا أبا بكر-: هل لكم بينة عدول من غيركم فنصدقكم ونقضي لكم؟
قالوا: لا نجد بينة عدولا من غيرنا.
فلما لم يجد الفريقان البينة العدول من غيرهم على ما ادعوا أوقفناهم حتى نعلم المحق من المبطل )) .
وبالطبع هذا لا يعني عدم قيام الحجة على المخالف بالآيات والأحاديث القطعية ، إذ المخالف لا يلتزم مدلولها ، والله أعلم .
نعم ؛ ثم اختتم الإمام (ع) كتابه تثبيت الإمامة بخاتمة هامة استدل فيها على ثبوت الإمامة من حيث هي ، وهي في نفس الوقت تحمل إشارة واضحة على كون الإمامة شرعية ، فقال (ع) :
(( واجتمعت الأمة على: أن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة، فأقام في قومه عشر سنين كما حكم الله عليه، وجادلهم بالتي هي أحسن، فسموه: مجنونا، وكذابا، وكاهنا، وساحرا، فأقام مع المشركين وهم في شركهم حتى انقضت الأيام والسنون، ثم أمره الله عز وجل أن ينصر هجرته وأن يشهر سيفه، وأن يصير إلى حيث يقاتل من خالفه، حتى يدخل في طاعته، وأن يقيم الحدود، وأن يأخذ للضعيف من القوي، فلم يزل ناصرا هجرته، وشاهرا سيفه، يقاتل من خالفه، ويقيم الحدود حتى لحق بالله عز وجل.
واجتمعت الأمة على: أن النبوة لا تورث، فقبلنا منهم وشهدنا أن النبوءة لا تورث.
وسألنا الأمة: إنفاذ الذي جاء من عند الله بالسنن، وإقامة الحدود، ودفع إلى كل ذي حق حقه ونبوة؟ فكان من عمل بها فهو نبي؟ فقالوا: لا، ولكن النبوة: الإخبار عن الله والسبيل بالكتاب والسنة . فهذا بيان لمن تفكر فيه ولم يعطف الحق إلى هواه، ورضي بالحياة الدنيا واطمأن إليها. والسلام )) .
والواجبات التي ذكرها الإمام (ع) ماهي معلومة إلا من قبل الشرع ، وبها أشار إلى ضرورة من يقوم بها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم !
وجوب طاعة الإمام ! :
لا بد من طاعة الإمام لينفذ أحكامه ، وإلا فما فائدته فإنما جعل الإمام ليؤتم به ، وهذا الأمر بالتأكيد لم يغفل الإمام ذكره ، وكيف يغفل ذكره وإنما تقوم الإمامة به !
يقول الإمام في رسالة الحقوق : (( وحق الله على عبده في أئمة الهدى أن ينصح لهم في السر والعلانية، وأن يجاهد معهم، وأن يبذل نفسه وماله دونهم، إن كان قادرا على ذلك من أهل السلامة )) .
لكن .. وكيف يطاع الإمام ؟! ما الموجب لطاعة فرد من أهل البيت والنص عليه غير موجود كما قدمنا ؟! وباختصار : كيف نعرف الإمام ؟!!
سؤال قد يتبادر إلى الأذهان ، وإمامنا الأعظم أبو الحسين (ع) يجيب لنا عنه أيضا عندما نتأمل كلماته في رسالته العظيمة إلى علماء الأمة ، فهو فيها ( يدعوهم ) إلى كتاب الله ، و( يدعوهم ) إلى الإجابة .. والإنابة .. والإعانة ، إنها الدعوة وإظهار الأمر التي من خلالها تقوم الحجة على العباد .
يقول الإمام (ع) في رسالته إلى العلماء : (( اللهم قد طلبنا المعذرة إليك، وقد عرفتنا أنك لا تصلح عمل المفسدين، فأنت اللهم ولينا، والحاكم فيما بيننا وبين قومنا بالحق. .
هذا مانقول وهذا ما ندعوا إليه، فمن أجابنا إلى الحق فأنت تثيبه وتجازيه، ومن أبى إلا عتوا وعنادا فأنت تعاقبه على عتوه وعناده
فالله الله عباد الله أجيبوا إلى كتاب الله وسارعوا إليه، واتخذوه حكما فيما شجر بينكم، وعدلا فيما فيه اختلفنا، وإماما فيما فيه تنازعنا، فإنا به راضون، وإليه منتهون، ولما فيه مسلمون لنا وعلينا، لانريد بذلك سلطانا في الدنيا، إلا سلطانك، ولا نلتمس بذلك أثرة على مؤمن، ولا مؤمنة، ولا حر، ولا عبد.
عباد الله فأجيبونا إجابة حسنة تكن لكم البشرى بقول الله عز وجل في كتابه: ?فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه? [الزمر: 18]، ويقول: ?ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين?[فصلت: 33].
عباد الله فاسرعوا بالإنابة وابذلوا النصيحة، فنحن أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل القرآن ، وفينا كان يهبط جبريل عليه السلام، ومن عندنا اقتبس الخير، فمن علم خيرا فمنا اقتبسه، ومن قال خيرا فنحن أصله، ونحن أهل المعروف، ونحن الناهون عن المنكر، ونحن الحافظون لحدود الله.
عباد الله فأعينونا على من استعبد أمتنا، وأخرب أمانتنا، وعطل كتابنا، وتشرف بفضل شرفنا، وقد وثقنا من نفوسنا بالمضي على أمورنا، والجهاد في سبيل خالقنا، وشريعة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، صابرين على الحق، لا نجزع من نائبة من ظلمنا، ولا نرهب الموت إذا سلم لنا ديننا، فتعاونوا تنصروا يقول الله عز وجل في كتابه: ?يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم? [محمد: 7]، ويقول الله عز وجل: ?ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور? [الحج: 40 - 41].
)) .
ثم ها هو يقرر هذه القضية ؛ قضية ( الدعوة ) ووجوب نصرة ( الداعي ) و( القائم ) من أهل البيت (ع) فيقول :
(( فيا علماء السوء محوتم كتاب الله محوا، وضربتم وجه الدين ضربا، فند والله نديد البعير الشارد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سفكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعت رؤوسهم فوق الأسنة، وصفدوا في الحديد، وخلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء، ويتشاكون الجهد؛ فهذا ما قدمتم لأنفسكم، وهذا ما حملتموه على ظهوركم، فالله المستعان، وهو الحكم بيننا وبينكم، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين)) .
ويواصل عليه السلام موضحا دعوته قائلا : (( وقد كتبت إليكم كتابا بالذي أريد من القيام به فيكم، وهو: العمل بكتاب الله، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبالكتاب قوام الإيمان، وبالسنة يثبت الدين، وإنما البدع أكاذيب تخترع، وأهواء تتبع، يتولى فيها وعليها رجال رجالا صدوهم عن دين الله، وذادوهم عن صراطه، فإذا غيرها المؤمن، ونهى عنها الموحد، قال المفسدون: جاءنا هذا يدعونا إلى بدعة!!
وأيم الله ماالبدعة إلا الذي أحدث الجائرون، ولا الفساد إلا الذي حكم به الظالمون، وقد دعوتكم إلى الكتاب فأجيبوا داعي الله وانصروه.
فوالذي بأذنه دعوتكم، وبأمره نصحت لكم، ما ألتمس أثرة على مؤمن، ولا ظلما لمعاهد، ولوددت أني قد حميتكم مراتع الهلكة، وهديتكم من الضلالة، ولو كنت أوقد نارا فأقذف بنفسي فيها، لا يقربني ذلك من سخط الله، زهدا في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم، وخلاصكم، فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والموفورين حظا ونصيبا.
عباد الله انصحوا داعي الحق، وانصروه إذا قد دعاكم لما يحييكم، ذلك بأن الكتاب يدعو إلى الله وإلى العدل والمعروف، ويزجر عن المنكر.
فقد نظرنا لكم وأردنا صلاحكم، ونحن أولى الناس بكم، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جدنا، والسابق إليه المؤمن به أبونا، وبنته سيدة النسوان أمنا، فمن نزل منكم منزلتنا؟ فسارعوا عباد الله إلى دعوة الله، ولا تنكلوا عن الحق، فبالحق يكبت عدوكم ، وتمنع حريمكم، وتأمن ساحتكم.
وذلك أنا ننزع الجائرين عن الجنود، والخزائن، والمدائن، والفيء، والغنائم، ونثبت الأمين المؤتمن، غير الراشي والمرتشي الناقض للعهد؛ فإن نظهر فهذا عهدنا، وإن نستشهد فقد نصحنا لربنا، وأدينا الحق إليه من أنفسنا، فالجنة مثوانا ومنقلبنا، فأي هذا يكره المؤمن، وفي أي هذا يرهب المسلم؟ وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ?ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما? [النساء: 107].
)) .
نعم ؛ وتكررت الدعوة من الإمام (ع) مقررا بها الحجة على من حوله ، وها هو يخطب الناس خطبة يبين فيها دعوته وآداب الجهاد قائلا :
(( فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق، فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن رد علينا دعوتنا وأبى إجابتنا، واختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك برئ، وهو يحكم بيننا وبينهم.
عباد الله إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فلأن يستجيب لكم رجل واحد خير لكم مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالبصرة والشام، لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقا، والله على ما أقول وكيل.
عباد الله لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة .. البصيرة ثم القتال، فإن الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق، إنه من قتل نفسا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسا بغير حق.
عباد الله البصيرة .. البصيرة )) .
وظل الإمام (ع) مواصلا مسيرته في دعوة الخلق وإقامة الحجة - كونه قد دعا لنفسه لما رأى في نفسه الأهلية لذلك ، وهذا تطبيق فعلي لنظريته التي كتب عنها واحتج لها - حتى خفقت رايات الجهاد فوق رأسه (ع) وهو يؤم كتيبته الزيدية ، فلما رآها قال - مقررا جميع ما قدمناه هنا - :
(( الحمدلله الذي أكمل لي ديني، والله ما يسرني أن لقيت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ولم آمر في أمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر، والله ما أبالي إذا أقمت كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ أن أججت لي نار ثم قذفت فيها، ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله تعالى، والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى، مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين صلوات الله وسلامه عليهم.
ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن بنوه. يا معاشر الفقهاء، ويا أهل الحجا، أنا حجة الله عليكم، هذه يدي مع أيديكم، على أن نقيم حدود الله، ونعمل بكتاب الله، ونقسم بينكم فيأكم بالسوية، فاسألوني عن معالم دينكم، فإن لم أنبئكم بكل ما سألتم عنه فولوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني! والله لقد علمت علم أبي علي بن الحسين، وعلم جدي الحسين بن علي، وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيبة علمه، وإني لأعلم أهل بيتي. والله ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت لله محرما منذ عرفت أن الله يؤاخذني، هلموا فاسألوني )) .
وبهذا يتبين عظمة هذه الفريضة ؛ فريضة طاعة الإمام ، ويتبين كذلك أن الطاعة لا تثبت وتستقر لأي فرد من أهل البيت إلا بالدعاء للنصرة ، ولعل ما نورده الآن من كلامه (ع) يوضح هذا غاية الوضوح ؛ قال (ع) : (( فالإمام منا المفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين الخارج بسيفه الداعي إلى كتاب الله وسنة نبيه ، الظاهر على ذلك الجارية أحكامه ، فأما أن يكون إمام مفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين متكئ فرشه مرجئ على حجته ، مغلق عنه أبوابه تجري عليه أحكام الظلمة ، فإنا لا نعرف هذا ! )) [ تفسير فرات الكوفي ]
لكن يأتي هنا سؤال ؛ هل كل فرد من أهل البيت دعا لنفسه قد استوجب الطاعة على غيره ؟! وإن لم يكن كذلك فما هي الشروط المفترضة ؟!
صفات الإمام :
بالطبع الإجابة تكون : لا ؛ فالإمامة مقام عال جدا لا يتربع عليه إلا من تحلى لأعلى الصفات الخاصة به ، وأهل البيت فيهم ( ما في الناس من الفضل والذنوب ) على حد تعبير الإمام عليه السلام ، أما عن هذه الصفات فندع الإمام (ع) يحدثنا عنها بقوله :
(( اعلم أنه لا ينبغي لأحد منا أن يدعو إلى هذا الأمر حتى تجتمع فيه هذه الخلال:حتى يعلم التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وعلم الحلال والحرام، والسنة الناسخة ما كان قبلها، وما يحدث كيف يرده إلى ما قد كان لمثل ما فيه وله، وحتى يعلم السيرة في أهل البغي، واليسرة في أهل الشرك، ويكون قويا على جهاد عدو المؤمنين، يدافع عنهم، ويبذل نفسه لهم، لا يسلمهم حذر دائرة، ولا يخالف فيهم حكم الله تعالى، فهذه صفة من يجب طاعته من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم )) . [ من كلام له في صفة الإمام ]
وفي قوله : (( ولكن أحق من وجب على الناس الإقبال إليه من آل محمد صلى الله عليه من ائتمنه المسلمون على نفسه وغيبه، ثم رضوا فهمه وعلمه بكتاب الله وتبيين الحق فيه، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فهدى الله عز وجل به الناس إلى ذلك، وأهداهم الموثوق في حديثه وفهمه وفضله، ووصفه الحق بما يعرف المسلمين من معالم دينهم، ثم الاستقامة لهم عليه، ليس له أن يجوز بهم عن الحق وليس لهم أن يبتغوا غيره ما ستقام لهم، ولم يكن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحمدلله - على حال منذ فارقهم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم - إلا وفيهم رضا عند من عرفه من المسلمين، في أنواع الخير التي يفضل بها الناس، عرف ذلك من حقهم من عرفه وأنكره من أنكره )) . [ كتاب الصفوة ]
وبهذه الجملة الأخيرة يتبين أن الإمام زيد يعتقد عدم خلو الزمان من مستحق للإمامة من أهل البيت ، وبالطبع هذه الجملة في غاية الأهمية فلتتذكر !القيادة في الحكم ( الإمامة ) : ¶ مسألة الإمامة في نظر الإمام (ع) مسألة لا بد منها ، فلا بد للناس من وال يقيم أمورهم ويدبر شئونهم ، لكنها مع ذلك تخضع للموازين الشرعية ، فليس للناس اختيار الإمام - الذي لا بد منه - إلا وفق موازين الشارع ، وبعد النظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله ؛ يقول الإمام [ كتاب تثبيت الإمامة ] : ¶ (( ثم سألنا الفريقين جميعا هل للناس بد من وال يصلي بهم، ويقيم أعيادهم، ويجبي زكاتهم، ويعطيها فقراءهم، ويأخذ غنائمهم ويقسمها، ويقضي بينهم، ويأخذ لضعيفهم من قويهم، ويقيم حدودهم؟ فاجتمع الفريقان على أنه لابد من وال يقوم فيهم بالحق، ويعمل فيهم بالسنة. فقبلنا منهم، وشهدنا أنه الحق، وأنه لابد للناس من وال يقوم فيهم بالحق، ويعمل فيهم بالسنن. ¶ ثم سألنا الفريقين هل للناس أن يتبرعوا بتولية رجل يجعلونه إماما وخليفة عليهم قبل أن ينظروا في كتاب الله عز وجل والسنة؟ فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وبفضله يولونه عليهم، لفضله عليهم في الكتاب والسنة. فاجتمع الفريقان على أن ليس للأمة أن يتبرعوا بولاية رجل يختارونه ويجعلونه عليهم واليا، يحكم بينهم، دون أن ينظروا في كتاب الله عز وجل والسنة، فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفضله ولوه عليهم، وإن لم يجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفضله كانت لهم الشورى بعد ذلك بما وافق الكتاب والسنة. فلما أجمعوا على ذلك قبلنا منهم، وشهدنا أنه ليس للأمة أن يتبرعوا بتولية وال على أن يجعلوه الخليفة والإمام دون أن ينظروا في الكتاب والسنة )) . ¶ ثم جعل عليه السلام يتتبع صفات الإمام أخذا وردا وفق الموازين الشرعية ليصل في النهاية إلى استحقاق أمير المؤمنين (ع) لها ، وذلك حيث الميزان الشرع لا الرأي . ¶ إلا أن لنا تنبيها هنا بخصوص كتاب ( تثبيت الإمامة ) وهو أن الإمام زيدا بنى كلامه فيه على إثبات المذهب بما يلتزمه الخصم أصلا ، وعلى ذلك فربما أتى بأدلة توهم في ظاهرها أن لا منصب معين للإمامة ، وهذا خلاف ما صرح به أكثر من مرة وأسلفنا ذكره عنه ، يوضح هذا قوله (ع) : ¶ (( ثم سألنا الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استخلف علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه وسلامه - ومضى: هل لكم بينة عدول من غيركم على ما ادعيتم فنصدقكم ونقضي لكم؟ ¶ قالوا: لا نجد بينة عدولا من غيرنا . ¶ ثم سألنا الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مضى ولم يستخلف أحدا - وأنه جعل ذلك إليهم ليختاروا لأنفسهم، فاختاروا أبا بكر-: هل لكم بينة عدول من غيركم فنصدقكم ونقضي لكم؟ ¶ قالوا: لا نجد بينة عدولا من غيرنا. ¶ فلما لم يجد الفريقان البينة العدول من غيرهم على ما ادعوا أوقفناهم حتى نعلم المحق من المبطل )) . ¶ وبالطبع هذا لا يعني عدم قيام الحجة على المخالف بالآيات والأحاديث القطعية ، إذ المخالف لا يلتزم مدلولها ، والله أعلم . ¶ نعم ؛ ثم اختتم الإمام (ع) كتابه تثبيت الإمامة بخاتمة هامة استدل فيها على ثبوت الإمامة من حيث هي ، وهي في نفس الوقت تحمل إشارة واضحة على كون الإمامة شرعية ، فقال (ع) : ¶ (( واجتمعت الأمة على: أن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة، فأقام في قومه عشر سنين كما حكم الله عليه، وجادلهم بالتي هي أحسن، فسموه: مجنونا، وكذابا، وكاهنا، وساحرا، فأقام مع المشركين وهم في شركهم حتى انقضت الأيام والسنون، ثم أمره الله عز وجل أن ينصر هجرته وأن يشهر سيفه، وأن يصير إلى حيث يقاتل من خالفه، حتى يدخل في طاعته، وأن يقيم الحدود، وأن يأخذ للضعيف من القوي، فلم يزل ناصرا هجرته، وشاهرا سيفه، يقاتل من خالفه، ويقيم الحدود حتى لحق بالله عز وجل. ¶ واجتمعت الأمة على: أن النبوة لا تورث، فقبلنا منهم وشهدنا أن النبوءة لا تورث. ¶ وسألنا الأمة: إنفاذ الذي جاء من عند الله بالسنن، وإقامة الحدود، ودفع إلى كل ذي حق حقه ونبوة؟ فكان من عمل بها فهو نبي؟ فقالوا: لا، ولكن النبوة: الإخبار عن الله والسبيل بالكتاب والسنة . فهذا بيان لمن تفكر فيه ولم يعطف الحق إلى هواه، ورضي بالحياة الدنيا واطمأن إليها. والسلام )) . ¶ والواجبات التي ذكرها الإمام (ع) ماهي معلومة إلا من قبل الشرع ، وبها أشار إلى ضرورة من يقوم بها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ! ¶ وجوب طاعة الإمام ! : ¶ لا بد من طاعة الإمام لينفذ أحكامه ، وإلا فما فائدته فإنما جعل الإمام ليؤتم به ، وهذا الأمر بالتأكيد لم يغفل الإمام ذكره ، وكيف يغفل ذكره وإنما تقوم الإمامة به ! ¶ يقول الإمام في رسالة الحقوق : (( وحق الله على عبده في أئمة الهدى أن ينصح لهم في السر والعلانية، وأن يجاهد معهم، وأن يبذل نفسه وماله دونهم، إن كان قادرا على ذلك من أهل السلامة )) . ¶ لكن .. وكيف يطاع الإمام ؟! ما الموجب لطاعة فرد من أهل البيت والنص عليه غير موجود كما قدمنا ؟! وباختصار : كيف نعرف الإمام ؟!! ¶ سؤال قد يتبادر إلى الأذهان ، وإمامنا الأعظم أبو الحسين (ع) يجيب لنا عنه أيضا عندما نتأمل كلماته في رسالته العظيمة إلى علماء الأمة ، فهو فيها ( يدعوهم ) إلى كتاب الله ، و ( يدعوهم ) إلى الإجابة .. والإنابة .. والإعانة ، إنها الدعوة وإظهار الأمر التي من خلالها تقوم الحجة على العباد . ¶ يقول الإمام (ع) في رسالته إلى العلماء : (( اللهم قد طلبنا المعذرة إليك، وقد عرفتنا أنك لا تصلح عمل المفسدين، فأنت اللهم ولينا، والحاكم فيما بيننا وبين قومنا بالحق. . ¶ هذا مانقول وهذا ما ندعوا إليه، فمن أجابنا إلى الحق فأنت تثيبه وتجازيه، ومن أبى إلا عتوا وعنادا فأنت تعاقبه على عتوه وعناده ¶ فالله الله عباد الله أجيبوا إلى كتاب الله وسارعوا إليه، واتخذوه حكما فيما شجر بينكم، وعدلا فيما فيه اختلفنا، وإماما فيما فيه تنازعنا ، فإنا به راضون، وإليه منتهون، ولما فيه مسلمون لنا وعلينا، لانريد بذلك سلطانا في الدنيا، إلا سلطانك، ولا نلتمس بذلك أثرة على مؤمن، ولا مؤمنة، ولا حر، ولا عبد. ¶ عباد الله فأجيبونا إجابة حسنة تكن لكم البشرى بقول الله عز وجل في كتابه: ?فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه? [الزمر: 18]، ويقول: ?ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين?[فصلت: 33]. ¶ عباد الله فاسرعوا بالإنابة وابذلوا النصيحة، فنحن أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل القرآن ، وفينا كان يهبط جبريل عليه السلام، ومن عندنا اقتبس الخير، فمن علم خيرا فمنا اقتبسه، ومن قال خيرا فنحن أصله، ونحن أهل المعروف، ونحن الناهون عن المنكر، ونحن الحافظون لحدود الله. ¶ عباد الله فأعينونا على من استعبد أمتنا، وأخرب أمانتنا، وعطل كتابنا، وتشرف بفضل شرفنا، وقد وثقنا من نفوسنا بالمضي على أمورنا، والجهاد في سبيل خالقنا، وشريعة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، صابرين على الحق، لا نجزع من نائبة من ظلمنا، ولا نرهب الموت إذا سلم لنا ديننا، فتعاونوا تنصروا يقول الله عز وجل في كتابه: ?يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم? [محمد: 7]، ويقول الله عز وجل: ?ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور? [الحج: 40 - 41]. ¶ )) . ¶ ثم ها هو يقرر هذه القضية ؛ قضية ( الدعوة ) ووجوب نصرة ( الداعي ) و ( القائم ) من أهل البيت (ع) فيقول : ¶ (( فيا علماء السوء محوتم كتاب الله محوا، وضربتم وجه الدين ضربا، فند والله نديد البعير الشارد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سفكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعت رؤوسهم فوق الأسنة، وصفدوا في الحديد، وخلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء، ويتشاكون الجهد؛ فهذا ما قدمتم لأنفسكم، وهذا ما حملتموه على ظهوركم، فالله المستعان، وهو الحكم بيننا وبينكم، يقضي بالحق وهو خير الفاصلين)) . ¶ ويواصل عليه السلام موضحا دعوته قائلا : (( وقد كتبت إليكم كتابا بالذي أريد من القيام به فيكم، وهو: العمل بكتاب الله، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبالكتاب قوام الإيمان، وبالسنة يثبت الدين، وإنما البدع أكاذيب تخترع، وأهواء تتبع، يتولى فيها وعليها رجال رجالا صدوهم عن دين الله، وذادوهم عن صراطه، فإذا غيرها المؤمن، ونهى عنها الموحد، قال المفسدون: جاءنا هذا يدعونا إلى بدعة!! ¶ وأيم الله ماالبدعة إلا الذي أحدث الجائرون، ولا الفساد إلا الذي حكم به الظالمون، وقد دعوتكم إلى الكتاب فأجيبوا داعي الله وانصروه. ¶ فوالذي بأذنه دعوتكم، وبأمره نصحت لكم، ما ألتمس أثرة على مؤمن، ولا ظلما لمعاهد، ولوددت أني قد حميتكم مراتع الهلكة، وهديتكم من الضلالة، ولو كنت أوقد نارا فأقذف بنفسي فيها، لا يقربني ذلك من سخط الله، زهدا في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم، وخلاصكم، فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والموفورين حظا ونصيبا. ¶ عباد الله انصحوا داعي الحق، وانصروه إذا قد دعاكم لما يحييكم، ذلك بأن الكتاب يدعو إلى الله وإلى العدل والمعروف، ويزجر عن المنكر. ¶ فقد نظرنا لكم وأردنا صلاحكم، ونحن أولى الناس بكم، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جدنا، والسابق إليه المؤمن به أبونا، وبنته سيدة النسوان أمنا، فمن نزل منكم منزلتنا؟ فسارعوا عباد الله إلى دعوة الله، ولا تنكلوا عن الحق، فبالحق يكبت عدوكم ، وتمنع حريمكم، وتأمن ساحتكم. ¶ وذلك أنا ننزع الجائرين عن الجنود، والخزائن، والمدائن، والفيء، والغنائم، ونثبت الأمين المؤتمن، غير الراشي والمرتشي الناقض للعهد؛ فإن نظهر فهذا عهدنا، وإن نستشهد فقد نصحنا لربنا، وأدينا الحق إليه من أنفسنا، فالجنة مثوانا ومنقلبنا، فأي هذا يكره المؤمن، وفي أي هذا يرهب المسلم؟ وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ?ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما? [النساء: 107]. ¶ )) . ¶ نعم ؛ وتكررت الدعوة من الإمام (ع) مقررا بها الحجة على من حوله ، وها هو يخطب الناس خطبة يبين فيها دعوته وآداب الجهاد قائلا : ¶ (( فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسه نفسه ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق، فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن رد علينا دعوتنا وأبى إجابتنا، واختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك برئ، وهو يحكم بيننا وبينهم. ¶ عباد الله إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فلأن يستجيب لكم رجل واحد خير لكم مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالبصرة والشام، لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقا، والله على ما أقول وكيل. ¶ عباد الله لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة .. البصيرة ثم القتال، فإن الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق، إنه من قتل نفسا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسا بغير حق. ¶ عباد الله البصيرة .. البصيرة )) . ¶ وظل الإمام (ع) مواصلا مسيرته في دعوة الخلق وإقامة الحجة - كونه قد دعا لنفسه لما رأى في نفسه الأهلية لذلك ، وهذا تطبيق فعلي لنظريته التي كتب عنها واحتج لها - حتى خفقت رايات الجهاد فوق رأسه (ع) وهو يؤم كتيبته الزيدية ، فلما رآها قال - مقررا جميع ما قدمناه هنا - : ¶ (( الحمدلله الذي أكمل لي ديني، والله ما يسرني أن لقيت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ولم آمر في أمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر، والله ما أبالي إذا أقمت كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ أن أججت لي نار ثم قذفت فيها، ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله تعالى، والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى، مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين صلوات الله وسلامه عليهم. ¶ ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن بنوه. يا معاشر الفقهاء، ويا أهل الحجا، أنا حجة الله عليكم، هذه يدي مع أيديكم، على أن نقيم حدود الله، ونعمل بكتاب الله، ونقسم بينكم فيأكم بالسوية، فاسألوني عن معالم دينكم، فإن لم أنبئكم بكل ما سألتم عنه فولوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني! والله لقد علمت علم أبي علي بن الحسين، وعلم جدي الحسين بن علي، وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيبة علمه، وإني لأعلم أهل بيتي. والله ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت لله محرما منذ عرفت أن الله يؤاخذني، هلموا فاسألوني )) . ¶ وبهذا يتبين عظمة هذه الفريضة ؛ فريضة طاعة الإمام ، ويتبين كذلك أن الطاعة لا تثبت وتستقر لأي فرد من أهل البيت إلا بالدعاء للنصرة ، ولعل ما نورده الآن من كلامه (ع) يوضح هذا غاية الوضوح ؛ قال (ع) : (( فالإمام منا المفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين الخارج بسيفه الداعي إلى كتاب الله وسنة نبيه ، الظاهر على ذلك الجارية أحكامه ، فأما أن يكون إمام مفترض الطاعة علينا وعلى جميع المسلمين متكئ فرشه مرجئ على حجته ، مغلق عنه أبوابه تجري عليه أحكام الظلمة ، فإنا لا نعرف هذا ! )) [ تفسير فرات الكوفي ] ¶ لكن يأتي هنا سؤال ؛ هل كل فرد من أهل البيت دعا لنفسه قد استوجب الطاعة على غيره ؟! وإن لم يكن كذلك فما هي الشروط المفترضة ؟! ¶ صفات الإمام : ¶ بالطبع الإجابة تكون : لا ؛ فالإمامة مقام عال جدا لا يتربع عليه إلا من تحلى لأعلى الصفات الخاصة به ، وأهل البيت فيهم ( ما في الناس من الفضل والذنوب ) على حد تعبير الإمام عليه السلام ، أما عن هذه الصفات فندع الإمام (ع) يحدثنا عنها بقوله : ¶ (( اعلم أنه لا ينبغي لأحد منا أن يدعو إلى هذا الأمر حتى تجتمع فيه هذه الخلال:حتى يعلم التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وعلم الحلال والحرام، والسنة الناسخة ما كان قبلها، وما يحدث كيف يرده إلى ما قد كان لمثل ما فيه وله، وحتى يعلم السيرة في أهل البغي، واليسرة في أهل الشرك، ويكون قويا على جهاد عدو المؤمنين، يدافع عنهم، ويبذل نفسه لهم، لا يسلمهم حذر دائرة، ولا يخالف فيهم حكم الله تعالى، فهذه صفة من يجب طاعته من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم )) . [ من كلام له في صفة الإمام ] ¶ وفي قوله : (( ولكن أحق من وجب على الناس الإقبال إليه من آل محمد صلى الله عليه من ائتمنه المسلمون على نفسه وغيبه، ثم رضوا فهمه وعلمه بكتاب الله وتبيين الحق فيه، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فهدى الله عز وجل به الناس إلى ذلك، وأهداهم الموثوق في حديثه وفهمه وفضله، ووصفه الحق بما يعرف المسلمين من معالم دينهم، ثم الاستقامة لهم عليه، ليس له أن يجوز بهم عن الحق وليس لهم أن يبتغوا غيره ما ستقام لهم، ولم يكن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحمدلله - على حال منذ فارقهم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم - إلا وفيهم رضا عند من عرفه من المسلمين، في أنواع الخير التي يفضل بها الناس، عرف ذلك من حقهم من عرفه وأنكره من أنكره )) . [ كتاب الصفوة ] ¶ وبهذه الجملة الأخيرة يتبين أن الإمام زيد يعتقد عدم خلو الزمان من مستحق للإمامة من أهل البيت ، وبالطبع هذه الجملة في غاية الأهمية فلتتذكر !
إن أمير المؤمنين يشكل مفترقا للطرق ، فهو معلم للحق ورمز للعدالة ، وحضوره في الأطروحات الفكرية هام جدا ، وبخاصة في تلك الفترة التي عاشها الإمام زيد (ع) ، حيث تحكم الأمة الإسلامية الدولة التي كانت تسب أمير المؤمنين (ع) على المنابر وعلى رؤوس الأشهاد .
أمير المؤمنين ؛ علي بن أبي طالب ، تلميذ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - النجيب ، أخوه ، ووزيره ، ومعينه وناصره ، له حضور في كلام الإمام زيد (ع) وخصوصية تليق بمكانته .
وأمير المؤمنين في نظر الإمام زيد هو الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلا فصل ، ويرى الإمام أن ذلك الحق ، فما سواه باطل !
(( فوجدنا الناس مختلفين يتبرأ بعضهم من بعض، وقد يجمعهم في حال اختلافهم فريقان .
فريق قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مضى ولم يستخلف أحدا بعينه، وإنه جعل ذلك إلينا معاشر المسلمين، نختار لأنفسنا رجلا فنستعمله علينا، فاخترنا أبا بكر.
وفرق قالوا: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استخلف عليا فجعله خليفة وإماما نستبين به بعده. فصارت كل فرقة منهم مدعية تدعي الحق.
فلما رأينا ذلك أوقفنا الفريقين جميعا، حتى نستبين ذلك، ونعرف المحق من المبطل )) . [ تثبيت الإمامة ]
وها هو يصرح بأولوية وأحقية أمير المؤمنين (ع) بالأمة فيقول :
(( قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين علي صلى الله عليه، ثم قبض أمير المؤمنين علي صلى الله عليه فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، ثم قبض أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسين بن علي عليهما السلام، ثم سكت. وقال: الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان )). [ من كلام له في الإمامة ]
والإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باب يطرق ليفتح لنا تساؤلات عدة ، إنها فعلا شكلت مفترق طرق ، بل هي في نظر الإمام زيد (ع) ( أول خلاف وقع في الأمة ) وأنت ترى ما حجم هذه القضية الهائلة ، فيا ترى كيف يرى الإمام زيد الأحداث التي جرت آنذاك ؟!
(( إن الإمامة أول خلاف وقع في الأمة بعد مضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووفاته، انتهبها قوم كما ينتهب تراث الدنيا، فكل يقول إنه أحق - برأيه وبزعمه -، وإنه أخص وأولى ، فحاج أبوبكر الأنصار بحجج عامة لسائر قريش، ثم أختص بها دونهم من غير مشاورة من جميعهم، ولا أخذ إقرارهم أنه أولاهم بها، ثم قام بها أيام حياته، وتضمنها بعد وفاته بما جعل لعمر بن الخطاب منها، وما خصه بها من تسليمها له دون غيره، نصا وتسمية وتعيينا، فقام عمر ينحو نحوه، ولا يتغير عن طريقته، حتى كان من أمر عبد المغيرة بن شعبة ما كان، فجعلها في ستة ليختاروا أحدهم، وكان من عبدالرحمن بن عوف الذي كان، فسلمها إلى عثمان [ بياض في الأصل ] فيما خيروه، وعاتبوه، واستتابوه، فلم يتب، فهجموا على داره فقتلوه.
فأتى قوم من المهاجرين أمير المؤمنين عليا وهو لا يشعر فنعوا إليه عثمان بن عفان، وقالوا: قتله المصريون وإنا لا نجد عنك غنى ولا ملجأ ولا معاذا، فكان منه الجواب الذي أخفيه عنك، فلا يضرك إن أخفيته، ولا ينفعك إن رسمته في كتابي هذا، فبايعوه على كتاب الله تعالى، والعمل بما فيه، فأقام لهم العدل وعمل فيهم بالقرآن )) . [ من جواب الإمام (ع) على واصل بن عطاء ] .
نعم ؛ وقد أكثر الإمام (ع) من الاستدلال على إمامة أمير المؤمنين (ع) في كتاب تثبيت الوصية بما لا مزيد عليه ، أثبت الوصية ولزوم حصولها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أثبت كونها في أمير المؤمنين ، إلى نحو ذلك من الاستدلالات الواضحة ، وإليكم جملة ذلك ؛
((سلوا الناس: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو لم يوص؟
فإن قالوا: لم يوص، أو لاندري أوصى أو لم يوص.
فقولوا: إن في القرآن دليلا على أنه قد أوصى، يقول الله تبارك وتعالى: ?يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل? [المائدة: 106]. وقال: ?كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين?[البقرة: 180]. وقال: ?من بعد وصية يوصي بها أو دين?[النساء: 11]. وقال: ?أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ماتعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون?[البقرة: 133].
وقد ذكر الناس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا يختلفون فيه -: أنه كان يبعث السرايا فيوصيهم، وقد بعث جعفرا ، وزيدا ، وعبد الله بن رواحة فأوصى: إن حدث بفلان ففلان، أو حدث بفلان ففلان. فيكون يؤمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ويوصي بهم، ويدع أهله وذريته والأمة جمعاء لا يوصي بهم أحدا! أفأمركم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفضل وترك أن يأخذ به؟! وهو أحسن الناس بالأخذ بالفضل؛ وإنما عرف الفضل به.
فهذا مما يستدل به على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى ولم يضع أمر أمته.
فإن قالوا: قد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لا ندري إلى من أوصى. فإن في القرآن ما يستدل به على وصيه، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان خير الناس وأعلم الناس؛ فينبغي أن يكون وصيه من بعده خيرهم وأعلمهم، وأطوعهم لأمره، وأنفذهم لوصيته، وأوثقهم عنده.
وقد بين الله تبارك وتعالى الفضل في كتابه؛ فأفضلهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فضله الله في كتابه، وهو وصيه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ليختار غير الذي اختاره الله، فهلموا فلننظر في كتاب الله من أهل صفوته، وأهل خيرته؟ فإن الله تبارك وتعالى يقول: ?وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة?[القصص: 68].
وقال: ?والسابقون السابقون أولئك المقربون?[الواقعة:10 -11]. وقال: ?والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار? [التوبة:100]. وقال: ?لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا? [الحديد: 10]. وقال: ?والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان?[الحشر:10].
فجعل الله للسابق بالإيمان والجهاد فضيلة؛ فالفضل في السابقين دون الناس، وأول السابقين أفضل السابقين لما سبق به السابقين، لأن الله عز وجل فضل السابقين على التابعين. وقال: ? قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين? [يوسف: 108].
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الداعي على بصيرة. وكان أول من اتبعه عليا عليه السلام وكان الداعي من بعده على بصيرة؛ لأنه أول من اتبعه، وأولى أن يكون وصيه.
ولا ينبغي أن يكون الداعي من بعده على بصيرة إلا من يعلم جميع ما جاء به، وهل أحد من الناس يزعم أنه يعلم علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا علي عليه السلام؟
وقال: ?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا? [الأحزاب: 33].
ثم فرض مودتهم فقال: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23] يقول: أن تودوني في قرابتي.
ثم فرض لهم الخمس فيما غنم المسلمون من شيء: سهمه تعالى، وسهم رسوله دون المؤمنين، فقال: ? واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى?[الأنفال: 41].
فعرفنا أن الفضل والخيرة لأهل هذا البيت، الذي فضله الله على جميع البيوت، لأنهم جمعوا السبق والتطهير، فينبغي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرهم، لأنه خير الناس، وأفضلهم عند الله، وينبغي أن يكونوا قادة الناس إلى يوم القيامة؛ لأن الله عز وجل يقول: ?أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون?[يونس: 35]. وقال:? إنما أنت منذر ولكل قوم هاد?[الرعد: 7].
فلا ينبغي أن يكون الهادي إلا أعلمهم؛ لأن الله عز وجل اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وطهره وعلمه، وجعله القائد المعلم، ومن بعده علي عليه السلام على منهاجه، يحتاج إليه الناس ولا يحتاج إليهم، فإن الله عزوجل قد فضلهم على الخلق بالهدى والطاعة، وأعلم الناس عصمتهم، فلايضلون عن الحق أبدا، والدليل على ذلك ماقد بينت لكم من قوله: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? [الشورى: 23]. وقال: ?لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون?[المجادلة: 22].
فلو كانوا ممن يحاد الله ورسوله، لم يفرض مودتهم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا - ولن تذلوا - كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) . وقال: ?واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل? [الأنفال: 41].
فإن قالوا: فإن الله قد جعل لليتامى والمساكين وابن السبيل، فقولوا: ألا ترون أن الله تعالى قد فرض الخمس لنفسه، وفرضه من بعده لرسوله، وإنما صار لرسوله لفضله عند الله، ولو كان أحد أفضل منهم لكان أحق به منهم. فجروا في ذلك مجرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وإنما فرض الله لليتامى نصيبهم من الخمس ليتمهم، فإذا ذهب يتمهم فلا حق لهم. وإنما فرض للمساكين نصيبهم من الخمس بدل مسكنتهم، فإذا ذهبت عنهم المسكنة فلا حق لهم فيه، وإنما فرض لابن السبيل نصيبهم بدلا من الغربة، فإذا بلغوا بلادهم فلا حق لهم فيه، وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل حال في الغنى والفقر، وهو لذوي القربى على كل حال بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الله عز وجل جعل لهم ذلك لما حرم عليهم من الصدقة إذ لم يرضها لهم.
فكان علي صلى الله عليه أحق الناس بالله وبرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان إمامهم بعد نبيهم )) .
باب مدينة العلم ؛
ولم يقتصر الإمام زيد (ع) في حديثه عن أمير المؤمنين (ع) على جانب الإمامة فقط ، بل لأمير المؤمنين حضور في القضايا الشرعية كونه باب مدينة العلم ، ولذلك يقول في سياق الحديث عن رواة الصحابة للآثار :
(( وعليك بعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه، فإنه كان باب حكمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان وصية في أمته، وخليفته على شريعته، فإذا ثبت عنه شيء فاشدد يدك به، فإنك لن تضل ما اتبعت عليا صلوات الله عليه وسلامه )) .
وعلى العموم فولاية أمير المؤمنين وتفضيله هو أول باب يطرق في مثل هذا الموضوع الذي أنشأنا البحث لأجله ، وقد أتى فيه الإمام زيد بأوضح بيان وأجلى برهان .
صفحة ١١