وممن كان من أهل المذهب اما من تقادم عهده من القدماء فلوقيفس وديمقراطيس، واما من أتى بعد هؤلاء تأخرا فأبيقورس والذين تفلسفوا بحسب رأيه ابتغوا هذا المذهب. وقوم آخر كأن رأيهم وحكمهم فى الفلسفة ورأيهم فى أمر العناية مضادا لرأى هؤلاء وحكمهم فيه من جميع الوجوه والجهات. وذلك أنهم زعموا أنه لا شىء من الأشياء مما يكون 〈فى الكون〉 يجرى كونه عن غير عناية وأن كل شىء مملؤ من الله وأنه نافذ فى جميع الأشياء الموجودة. ولهذا السبب صارت جميع الأشياء الكائنة انما مجرى كونها بحسب اختيار الآلهة، من حيث هم القوام عليها والمدبرون لكل واحد منها.
وقد يشهد على صحة ذلك الأشياء الظاهرة. وذلك أن لزوم الأشياء التى تكون بالطبع للنظام لما كأن دائما وغير متفاوت صار ميكتا مناقضا للقول بأن هذه الأشياء تكون عن الاتفاق، من قبل أنه لا شىء من الأشياء الكائنة بالبخت وعن الاتفاق يوجد محدودا، لاكن انما كونه فى الندرة وحاله فى زمان ما مخالفة لحاله فى زمان آخر مختلفة الى أحوال مختلفة.
وأيضا مما يجرى من تقدمه الانذار والحكم بالأشياء العزمعة بالكون الذى بعضه يكون بالوحى وبعضه بالرؤيا وبعضه بالعرافة هو دليل ظاهر أن الآلهة تعنى بالأشياء التى هاهنا وأن العناية بها هى فعل الآلية .
صفحة ٥