لا نريد أن نتظلم أو نتجنى فننسب هذا الإنطواء في الأدب اليمني ، وهذا الإنزواء والغموض إلى إهمال الرواة وازورارهم عنه ، فقد نكون على حق وقد لانكون ...ولكن الأمر الذي لامرية عندنا فيه هو أن الظروف التي أكتنفت اليمن في القديم كان لها أكبر الأثر في هذا الشأن .. ونكتفي بهذه الفقرات مما كتبه الأديب المخضرم ، اليمن مهد الإنسان المتمدن أو المتحضر أو الحاضنة التي منها أبصر النور ومشى للآفاق * أصابتها الكثير من النوائب بداية الكوارث الطبيعية : تصحر وجفاف ، زلازل ، براكين .. ثم ظروف سياسية لاحقة كتسلط أنظمة محلية أو نفوذ قوى خارجية محدثة تخريبا إقتصاديا وإجتماعيا وحالة من الغليان وعدم الإستقرار ، حعلت من اليمني مهاجرا بالغريزة نتيجة لتلك العوامل .. ورغم أن الشعوب أو الأمم المجاورة له هي في الأصل تنتمي له ثقافة وإنسانا إلا أن الظروف جعلتهم يتجاهلون أو يتعالون على بلد المنشاء وربما أمتد الأمر ليشمل المساهة بتقويض أمنه وسلامه وتفكيك روابطه التقليدية القائمة على أسس إجتماعية ثقافية ، أما ما رمى إليه الكاتب بالإشارة إلى جعل كل حسنة سيئة فذاك حقيقة واقعة وملموسة وفي عصرنا الحاضر .. وما على المرء سوى ذكر إسم اليمن فتجد أن هناك من يتكلف المجاملة إذا لم يذم أو يصم اليمنيين بالتخلف .... والفقر ، وكانت هناك مناسبات كثيرة تم التركيز على إحتقار كل ما هو يمني ، إنتهاز الفرصة بفرض إجرآءات صارمة ومعلنة على مخالفة اليمني وإبرازها بشكل ملفت والتركيز عليها حتى يبدو اليمنيين أنهم جنس غجري أو مخالف .. ثم منع حتى الأسماء اليمنية من واجهات الدكاكين وبخاصة بالأماكن الراقية ، ووصل الأمر أن يمنع من يلبس الفوطة من دخول الدوائر الرسمية لأن الفوطة (الإزار) لاتليق ؟؟؟ ولاتسئلني عن الأصداء لدى اليمني المهاجر البسيط ومدى شعوره بالذل والهوان ، وقد يكون الأمر أشد وطأة على أطفاله الذين قد يصابون بشتى الأمراض والعقد ... إذن هناك تجاهل ومحاربة للثقافة اليمنية .. اليمانون الذين عبروا عن ثقافتهم وقبل الكلام بالأفعال بلوحات تملئ الجبال بحدائق معلقة هي المسطحات الزراعية وجعلوا الصحاري جنانا بتخزين المياه .. لاتسل عن أمرئ القيس أو حسان أو البردوني ولكن قبل ذلك نعرج على أنظمة التجارة البحرية والبرية وفي فجر التاريخ مخر اليمانون (الساميون) عباب البحر وتوغلوا بقوافلهم في مجاهل الصحراء والجبال الوعرة وربطوا بين أجزاء العالم القديم ، ناقلين تجارتهم مع ثقافتهم فتعلم البشر لغة المدنية وقوانينها .. وآدابها .. بل ولسانها ، أما الإشارة للقول هم الكثير عددا والبكم أبد أ.. ذاك أمر مشرف بل ومفخرة لليمانيين أنهم من مقلي الكلام فكما أشرنا اليمانيون يعبرون بالفعل ... ناطحات سحاب من الطين أو الحجر سدود وصهاريج ... قوانين وأنظمة ،، ويجزم الكثيرين أن اليمن هي مهد (أورحم) الديانات التوحيدية وذاك يدل على نضج الحضارة اليمنية مبكرا.. والشاهد في ذلك إستجابة اليمنيين السريعة الإيجابية للرسالات التوحيدية الثلاث على مراحلها .. ثم تركهم مواقع الجدل والفتنة ببداية التاريخ الإسلامي وذهابهم لفتح الثغور دون ضجيج أو جلبه . هنا نتوقف عن معاناتنا ونستريح لنستعرض جانبا مضيئا وحدثا يبشر بالخير وبنهاية حقيقية لمآسينا .. فقد هئ الله لأمة اليمن إبنا بارا حالفه التوفيق فأستطاع القيام بتأسيس يمن حديث له مقومات مستقبل زاهر يليق بماضيه العريق .. ولكن علينا وقبل كل شئ العودة لمنابع التقاليد اليمنية والتمعن بلفسفتها وخصائصها ، فخلال مرحلة زمنية ذهب مثقفينا للشرق والغرب محاولين إستيراد مراجع ومناهج وغفلوا عن ما تحت أيديهم من كنوز .. ولعل الإعلام والقواعد التي بنى عليها أسسه كجهاز إرشاد وتوعية كان أكثر من تأثر بهذا الإستيراد ، نعرف أن إخصائي الإعلان أو الإعلام يعرفون نوعا من الخطاب الإعلامي يسمونه الرومانيك ( الروماني ) وهو يتميز بالحدة والصوت العالي ويشوبه الكثير من عدم المصداقية ، وفي بعض مناطق البحر المتوسط إختلط هذا الخطاب ( الأحمق ) بخطاب آخر لايقل عنه وهو الغجري الفوضوي الذي لايعير السامع أدنى إهتمام .. وبرزت مدرسة لهذا الخطاب الغير وقور ... وبسذاجة أو حسن نية قامت وسائل الإعلان لدينا بسلوك نهج ذلك الخطاب ... بل تمادوا وتفننوا بإبرازه ، وفي الإعلان المرئي يصل الأمر عند وصف شئ ما غير مرضي عنه لحد البصق أو حماسا يصل لحد أن تتخيل أحدهم سيقضم مكبر الصوت ... أما الإعلام المقروء فمأساته لاتقل عن ذلك وربما تتفوق في أشياء .... كما نعلم هذه أمور مشينه بالنسبة للثقافة اليمنية ، وعليه وخاصة في هذا العصر الذي بإستطاعتنا تذكير من يجهلنا بما نملك من وسائل فعاله .. علينا مراجعة مناهجنا ويجب أن ننقب في ذواتنا وأن نصلح ما أفسدناه مما أقتبسناه من ترهات ... وأن نسمي الأمور بمسمياتها ، بعيدا عن المنهج الغجري الروماني الذي يفتقد المصداقية والإحترام ، إن مراجعتنا لكل الأمور بصدق وعناية سيجعلنا نداوي جراحاتنا لأننا بلا شك سنضع الكثير من اللمسات على الجراحات النازفة واللتي لم تندمل بعد ثم عدم إنكاء جراحات أندملت ، تركيزنا على شئوننا اليمنية وثقافتنا ومثلها ونفائسها سيمدنا بما نحتاجه من طاقة تمكننا من عرض وجه اليمن المشرق مجددا ...
صفحة ٢١