شهادتهم لنا في الوعد والوعيد
وأما شهادتهم لنا في الوعد والوعيد، فإنهم شهدوا جميعا أن الله تبارك وتعالى صادق في جميع أخباره، وأنه لا يخلف الميعاد، ولا يبدل القول لديه، صادق الوعد والوعيد في أخباره، ثم نقض ذلك المرجئة بقول من زعم أن الله جائز أن يغفر لمن قد أخبر أنه يعذبه، وخالف ذلك منهم من زعم أن الله يقول من زنى عذبته بالنار يوم القيامة، فيأتي الخبر من الله ظاهرا مطلقا ليس معه استثناء، ثم لا يعذب أحدا من الزناة يوم القيامة، ولا تمسهم النار؛ لأنهم زعموا أنه استثنى ذلك عند الملائكة، فقال إني أعذبهم إن شئت، وإلا فإني أغفر لهم، أو يقول إلا أن أتفضل عليهم بالعفو، وإنما عنى أني أعذبهم إلا أن يغتسلوا من جنابة الزنى، فإن اغتسلوا من جنابة الزنا وفعلوا شيئا من الخير غفرت لهم. فلما جوزوا ذلك في أخبار الله نقضوا معنى ما حكم الله به في وعده ووعيده، وادعى بعضهم الخصوص في الأخبار، فزعموا أن كل خبر جاء من الله عاما في الظاهر، فقد يجوز أن يكون خاصا، كقول الله عز وجل: { وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } [التوبة: 49]، فزعموا أنه يجوز أن يكون عنى بعض الكافرين دون بعض، وكذلك قوله: { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } [النور: 23]، وأنه يجوز عندهم أن يكون في بعض القاذفين دون بعض، إلا أنهم يعلمون أن الكفار كلهم يعذبون بإجماع الناس على ذلك.
وأما أصحاب الكبائر فيجوز عندهم أن لا يعذب أحد منهم، ولا تمسه النار، وزعم بعضهم أنه ليس في أهل الصلاة وعيد، وإنما الوعيد في الكفار خاصة دون غيرهم. وكل هؤلاء وغيرهم من أصناف المرجئة ناقضون لمعنى ما أخبر الله به في كتابه، وحكم به من وعده ووعيده.
صفحة ٢٠٤