وذكر الله المؤمنين في كتابه فأحسن الثناء عليهم ومدحهم مدحا جليلا. قال فيهم خيرا، وسماهم بأسماء حسنة، وحكم لهم بأحكام شريفة، وبين أنه لا يستحق هذا الاسم الحسن إلا من قال بقولهم، وعمل عملهم، فقال عز وجل: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض{
إلى قوله { ذلك هو الفوز العظيم } [التوبة: 71]، فأخبر أن هذه واقعة لهم، وأن من كانت هذه صفته وفعله استحق هذا الاسم الشريف، واستوجب الجنان والرضوان. وقال تعالى: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } [الأنفال: 2 - 4]، فأخبر أن هذه صفة المؤمنين، وأنه لا يستحق أن يكون مؤمنا إلا من كان كذلك، وأن المغفرة والرضوان لأهل هذه الصفة دون غيرهم، وأخبر أن الإيمان يزيد وينقص. فأي بيان يكون أبين من هذا، وأي حجة تكون أنور من هذا في تكذيب المرجية الذين زعموا أن الجبابرة الظلمة العتاة الطغاة البغاة الفجرة - الذين إذا خوفوا بالله لم يخافوا، وإذا ذكروا به لم يذكروا - مؤمنون كإيمان جبريل ومحمد صلى الله عليهما، وأن الإيمان زعموا لا يزيد ولا ينقص، وأن الوعيد على ما وصفوه لا يثبت، فنعوذ بالله من الجهل والعمى في الدنيا. وقال الله تعالى: { بشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا } [الأحزاب: 47]، وقال: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } [التوبة:128]، وقال: { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } [النور: 2]، وقال عز من قائل: { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } [التحريم: 8] الآية، وقال تعالى: { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } [الحديد:12]، وقال تعالى: { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما } [النساء: 146]، وقال سبحانه: { والله ولي المؤمنين } [آل عمران: 68]، وقال: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [يونس:62]، وقال: { وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما } [الأحزاب: 43 - 44]، وقال سبحانه: { التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين } [التوبة: 112]، ولم يقل شيئا من ذلك للفسقة الفجرة، ولا للعتاة الكفرة.
صفحة ٢٢٩