اللهوي التي نسمعها من المطربين والممثلين الكوميديين، ولكنها كانت لهجة ناعمة وشجية ذات إيقاع خفيف وغنائي مثل اللهجة الويلزية أو السويدية.
هنا أشعر بأنه من الأفضل أن أتركهم؛ فها هو أبي صبي صغير لا يجرؤ على الاقتراب أكثر، والعجوزان يجلسان في عصر يوم صيفي على مقعدين خشبيين وضعا أسفل واحدة من أشجار الدردار السخية الشاهقة التي كانت دائما ما تظلل منزل جدي الريفي. هناك كانا يتحدثان بلهجة سنوات طفولتهما - التي نبذاها عندما صارا رجلين - التي لم يكن بمقدور ذريتهما فهمها.
الجزء
المنزل
الآباء
كان هناك في الربيع صوت يعم كل جنبات الريف الذي سرعان ما كان يتلاشى، لعله كان سيتلاشى تماما لولا الحرب، كانت الحرب تعني أن من يملكون المال لشراء جرارات لا يستطيعون إيجاد أي جرارات لشرائها، والقلة التي تملك جرارات بالفعل لا تستطيع دائما إيجاد الوقود اللازم لتشغيلها؛ ومن ثم كان المزارعون يخرجون إلى أرضهم بخيولهم من أجل حرث الربيع، ومن آن لآخر، في جهات قريبة وبعيدة، كان بإمكانك أن تسمعهم يصدرون أوامرهم التي تتخللها درجات من التشجيع، أو نفاد الصبر، أو التحذير. ليس بوسعك أن تسمع الكلمات على نحو محدد، مثلما لا يمكنك أن تفهم ما تقوله طيور النورس عندما تهبط على الأرض، أو تتابع مشاجرات الغربان. ولكن من نبرة الصوت، كان يمكنك بصفة عامة أن تحدد ألفاظ السباب التي كانت تقال.
كان ثمة رجل يسب طوال الوقت، لم يكن مهما أي كلمات كان يستخدمها. كان من الممكن أن يقول «زبد وبيض»، أو «شاي المساء»، وتكون الروح التي تلفظها واحدة، وكأنه يغلي بنيران سافعة من الغضب والاشمئزاز.
كان اسمه بانت نيوكام، امتلك أول مزرعة على الطريق الريفي المنعطف ناحية الجنوب الغربي من البلدة. كان بانت (وهي كلمة تعني نطحة، على الأرجح هي كنية أطلقت عليه في المدرسة لأنه كان يمشي ورأسه منخفض) على استعداد لنطح أي شخص برأسه ودفعه جانبا. كان اسما صبيانيا احتفظ به منذ الصغر، ولم يكن في الواقع ملائما لسلوكه، أو سمعته، كرجل ناضج.
أحيانا ما كان الناس يتساءلون ما خطبه؟ فلم يكن فقيرا؛ إذ كان يمتلك مائتي فدان من أجود الأراضي، وإسطبلا مبنيا على منحدر له صومعة بارزة، وجراجا خاصا، ومنزلا مربعا متينا مبنيا من الطوب الأحمر. (وإن كان المنزل، مثل صاحبه، ذا مظهر يوحي بحدة الطبع. فكان هناك ستائر حاجبة ذات لون أخضر داكن منسدلة على النوافذ لأغلب الوقت، أو طوال الوقت، ولا توجد ستائر ظاهرة، وأثر واضح على الحائط الأمامي من جراء إزالة الشرفة الأمامية. أما الباب الأمامي الذي كان حتما يفتح على تلك الشرفة، فقد صار الآن يفتح على حشائش وبقايا حجارة ارتفاعها ثلاثة أقدام.) ولم يكن سكيرا ولا مقامرا؛ إذ كان شديد الحرص على أمواله لدرجة يتعذر معها أن يكون أحد الاثنين. وكان بخيلا ودنيء الخلق؛ فقد كان يسيء معاملة خيوله، وبالطبع يسيء معاملة أفراد أسرته.
في الشتاء كان يأخذ علب اللبن خاصته إلى البلدة على زلاجة يجرها عدد من الخيول؛ إذ كان هناك نقص آنذاك في كاسحات الجليد في الطرق الريفية، شأنها شأن الجرارات. كان ذلك يتم خلال فترة الصباح حين يكون الجميع في طريقهم إلى المدارس، ولم يكن يبطئ مطلقا مثلما كان المزارعون الآخرون يفعلون للسماح لأي أحد بالقفز على ظهر الزلاجة من أجل الحصول على توصيلة. بدلا من ذلك، كان يلتقط السوط .
صفحة غير معروفة