وقد حدث ذلك؛ فجأة وعلى نحو ساحق، فقد وقع مايكل في حبي وعزم على الزواج بي، شاب طويل القامة حسن الطلعة قوي البنية أسود الشعر ذو ذكاء وطموح علق آماله علي. اشترى لي خاتما من الألماس، ووجد لي وظيفة في فانكوفر التي كانت ستقودني حتما إلى أشياء أفضل، وألزم نفسه بإعالتي وإعالة أطفالنا لبقية حياته. فلم يكن شيء ليجعله أسعد من ذلك.
كان هو من قال ذلك، وصدقت أنه حقيقي.
قليلا ما كان يمكنني الوثوق بحظي. لقد كتب لي أنه يحبني، ورددت عليه بأنني أحبه أيضا. فكرت كم هو وسيم وذكي وجدير بالثقة، وقبيل رحيله مباشرة ضاجعني - مارسنا الجنس معا على الأرض الوعرة أسفل إحدى أشجار الصفصاف بجوار حافة النهر - واعتقدنا أن ذلك أمر مهم كأي من مراسم الزواج؛ لأننا الآن لم يعد بإمكاننا على الأرجح أن نكرر الشيء نفسه مع أي شخص آخر. •••
كان ذلك هو أول خريف منذ أن كنت في الخامسة لا أقضي فيه أيام الدراسة في المدرسة. فقد مكثت في المنزل أقوم بالأعمال المنزلية؛ إذ كان المنزل في أشد الحاجة إلي؛ فلم تعد أمي قادرة على الإمساك بيد مكنسة أو فرش الأغطية على الأسرة، كان لزاما أن يوجد شخص آخر للمساعدة بعد رحيلي، ولكن في الوقت الحالي كنت آخذ الأمر كله على عاتقي.
كان الروتين يحاصرني، وسرعان ما صار من الصعب أن أصدق أنني كنت قبل عام واحد فقط أجلس إلى طاولة المكتبة في صباح أيام الإثنين، بدلا من الاستيقاظ مبكرا لتسخين الماء على الموقد لملء غسالة الملابس ثم وضع الملابس المبللة في العصارة ونشرها على حبل الغسيل في النهاية. أو أنني كنت أتناول عشائي على نضد صيدلية وكان عبارة عن شطيرة أعدها شخص آخر غيري.
كنت أغطي مشمع الأرضيات البالي بالشمع، وأتولى كي مناشف الأطباق وأردية النوم إلى جانب القمصان والبلوزات، وجلي القدور والأواني القديمة، وتنظيف الأرفف المعدنية المسودة وراء الموقد بقطعة من الليف السلكي. كانت تلك هي الأشياء المهمة آنذاك في منازل الفقراء، ولم يكن شخص يفكر في تبديل ما هو موجود هناك، فقط كانوا يفكرون في الحفاظ على كل الأشياء في حالة جيدة لأطول فترة ممكنة، ثم الحفاظ على بعض منها. وكانت مثل هذه الجهود تضع خطا فاصلا بين الكفاح المحترم والانكسار المهين. وكان اهتمامي بهذا يزداد كلما اقترب موعد تركي لهذا المكان.
وجدت تقارير وأخبار إدارة شئون المنزل طريقها إلى خطاباتي لمايكل وكان منزعجا وغاضبا لذلك؛ ففي خلال زيارته القصيرة لمنزلنا رأى الكثير مما أدهشه على نحو غير سار؛ وهو ما جعله أكثر إصرارا وعزما على إنقاذي. والآن ولما لم يكن لدي شيء آخر للكتابة عنه، ولرغبتي في توضيح سبب قصر خطاباتي، فقد كان مرغما على أن يقرأ كيف أنني كنت أغرق نفسي في الأعمال اليومية في المكان والحياة اللذين من المفترض أنني أتعجل الرحيل عنهما.
كان يرى من وجهة نظره أنني ينبغي أن أكون متلهفة لنسيان كل شيء متعلق بمنزل عائلتي وحياتي فيه، وأن أركز على الحياة وعلى البيت اللذين سنبنيهما معا.
كنت بالفعل آخذ ساعتين راحة بعد الظهر في بعض الأيام، ولكن ما كنت أفعله خلال هذا الوقت لم يكن ليرضيه كثيرا إن كتبت له عنه؛ فقد كنت أضع أمي في فراشها للحصول على قيلولتها الثانية خلال النهار، وأمسح أسطح المطبخ المسحة الأخيرة، وأمشي من منزلنا على أقصى أطراف البلدة إلى الشارع الرئيسي، حيث أقوم ببعض التسوق، وأذهب إلى المكتبة لإعادة كتاب واستعارة آخر؛ فلم أكن هجرت القراءة، رغم ما بدا من أن الكتب التي أقرؤها الآن لم تكن صعبة أو مرهقة مثل نظيرتها التي كنت أقرؤها قبل عام. كنت أقرأ القصص القصيرة لإيه إي كوبارد، وكان لإحداها عنوان دائما ما كنت أجده مغريا، رغم أنني لا أستطيع تذكر أي شيء آخر بشأنه، وكان هذا العنوان هو «روث السمراء». وقرأت أيضا رواية قصيرة لجون جالزوورثي، والتي تضمنت سطرا في صفحة العنوان أبهرني:
شجرة التفاح، والغناء، والذهب ...
صفحة غير معروفة