8
ويذهب «كلودبرنار» إلى حد أبعد من ذلك؛ فهو يوصي من يعد نفسه ليكون عالما، بأن يتزود من الثقافة الفلسفية والفنية: «إنني، رغم نفوري من المذاهب الفلسفية، أحب الفلاسفة حبا جما، وأجد متعة كبرى في صحبتهم ... فالفلاسفة يبحثون دائما في المسائل المختلف عليها، ويقفون في مستويات رفيعة، أي عند الحدود القصوى للعلوم، وبهذا يضفون على التفكير العلمي حركة تبعث فيه الحياة وتسمو به ...» وهذا عن الفن، فهو يقول «إن العلم لا يتعارض قط مع ملاحظات الفن ومعطياته، بل من رأيي أن العكس هو الصحيح ضرورة. فالفنان يجد في العلم أسسا أرسخ، والعالم يستقي من الفن حدسا أصدق.»
9
العلم ينطوي على إيمان بمبادئ معينة
لقد أضفنا كلا من الخيال وسعة التحصيل إلى الصفات المقومة للروح العلمية، وهي تلك الصفات التي لها طابع أخلاقي أو خارج عن نطاق العقل على الأقل، فهل هذه هي كل الصفات؟ وهل يكفي المرء، لكي يكون عالما، أن يكون أمينا شجاعا، وعلى قدر من الخيال، وملما بمعلومات كثيرة؟ كلا؛ فما زلنا بعد ذلك كله على هامش الروح العلمية.
فبعد أن أوضح «كلود برنار» أهمية روح النقد (التي يسميها بالشك الفلسفي) في الوصول إلى الحقيقة، أبدى هذا التحفظ الهام: «ومع ذلك، ينبغي ألا يكون المرء ارتيابيا
sceptique ، بل عليه أن يؤمن بالعلم، أعني بالحتمية، وبالارتباط المطلق والضروري للأشياء، سواء بين الظواهر الخاصة بالكائنات الحية، أو بين كل ما عداها من الظواهر.»
10
وعلى ذلك، فالعالم في رأي «كلود برنار» ليس مجرد ملاحظ أمين شجاع لديه نوع من الخيال وقدر غير قليل من الثقافة، بل هو «مؤمن». وهذا يؤدي بالمرء إلى أن يرى أشبه بمعبد، وبالطائفة الدينية التي تتميز بعقائد محددة.
والحق أن هذا الوصف يصدق على العلم إلى حد ما، فالعلم يؤلف جماعة اجتماعية محددة، وهو أكثر من أن يكون مهنة، وهو لم يكن موجودا على الدوام؛ بل إن عمره يتراوح ما بين خمسة وعشرين وثلاثين قرنا، هذا إذا ربطنا نشأته بنشأة علم الفلك عند اليونان، ويقصر هذا العمر فيبلغ ثلاثة أو أربعة قرون، إذا رأينا أنه بدأ مع ظهور علم الطبيعة الحديث، ولا يرجع تأثير العلم ونفوذه إلا إلى القرن الثامن عشر، وهو ينطوي على مجموعة من المبادئ التي ينقلها التعليم من جيل إلى جيل، ولا تصبح موضوعا لأي شك بالمعنى الصحيح، وإن كانت تعدل أحيانا، بحيث يظل تقدم العلم متصلا ومستمرا، كما قال «باسكال» في إحدى كلماته المشهورة: إنه نوع من الدين، ولكن الأهم من ذلك أنه عقيدة، والعالم قد أقسم يمين الولاء لعدد معين من المبادئ.
صفحة غير معروفة