ولكن ما قيمة كل ما ليس بأزلي؟
ومع ذلك، فعلى هذا النحو فهم الإيليون (مدرسة للفلسفة اليونانية في القرن الخامس ق.م.) مبدأ الهوية، وانتهوا من ذلك إلى أن الوجود أزلي ثابت، وأن المتغير، والذي يخضع للزمان هو «لا وجود» - وذلك في الحق موقف فلسفي لا يمكن التمسك به.
وإذن فالرمز أ لا يعني «شيئا ». أ يدل على فكرتنا على شيء، عندئذ يكون معنى المبدأ هو «أن فكرة الشيء هي فكرة ذلك الشيء» وفي هذه الحالة لا يكون للمبدأ معنى؛ بل قد يكون عائقا للفكر، إذ إنه يبدو معبرا عن نهي؛ فهو ينهانا عن أن نقول عن فكرة الشيء سوى فكرة هذا الشيء فينهانا مثلا عن أن نقول عن القلم إنه أسود. وبعبارة أخرى، فهو ينهى عن إصدار أي حكم يكون المحمول فيه مخالفا للموضوع، ولنلاحظ أن هذا هو تفسير مدرسة يونانية أخرى، هي المدرسة الميغارية، تلامذة سقراط، الذين كانوا يمثلون نوعا من الشكاك ويدعون إلى الامتناع عن الحكم.
ولكي نتخلص من هذا التفسير الباطل بدوره، علينا أن نفهم أ بمعنى قضية، أو إثبات كامل، مثل «أكتب هذه السطور في 25 أبريل سنة 1942م في الساعة التاسعة صباحا». فيكون معنى فعل الكينونة في «أ هي (تكون) أ» هو أن القضية، بكل ما ورد فيها من شروط، صحيحة على مر الزمان. فسوف يكون من الصحيح دائما أني كنت أكتب هذه السطور في ... إلخ، وبعبارة أخرى فالقضية الصحيحة تكون صحيحة أبدا، وهذا يستتبع القول بأن كل القضايا التي سوف أصرح بها فيما بعد يجب أن تتفق معها، أو تنتج عنها. فمبدأ الهوية إذن يفرض على العقل الاتفاق المطلق مع ذاته، وهو كفيل بأن يجعلنا نقول (عند الحاجة) إن القضية تستتبع نتائجها، إذ لن تكون هذه النتائج سوى القضية ذاتها وقد حددت بصيغ مختلفة.
وعلينا أن نلح في تأكيد الشطر الثاني من هذا القول: فنتيجة القضية هي القضية ذاتها، ولكن في صورة أخرى، أي في صورة جزئية مثلا. فإذا قلت: كل إنسان فان، فينبغي لي أن أستنتج منها أن «كل واحد من أفراد الإنسان» فان (وهذا ما يسمى باستدلال التداخل)، وذلك عن طريق تفكيك الحد «كل إنسان» إلى أجزائه «جميع أفراد الإنسان».
وقد يقال إن هذا أمر ليست له سوى أهمية ضئيلة، وإن مثل هذا الاستدلال لا يكون، في نهاية الأمر، سوى ذلك الشيء نفسه مرتين (أي ما يسمى بتحصيل الحاصل)
10
وهذا صحيح، غير أنه قد يكون من المهم أن نزيد إيضاح جزء من القضية كان قبل ذلك كامنا، وغير شعوري - وغالبا ما تكون عملية الاستدلال عملية إيضاح.
وفضلا عن ذلك، فمن المفيد أن نستخلص النتائج إن كانت تترتب على «عدة» قضايا متشابكة، كما هي الحال في الرياضيات، فعندما يكون المثلث قائم الزاوية، فإن القضايا المتعلقة به تترتب على صفاته باعتبار أنه مثلث، وأنه قائم الزاوية. (2)
مبدأ التناقض «أ ليست لا أ». والملاحظة التي قلناها في المبدأ السابق بشأن معنى أ تسري على هذا المبدأ أيضا: أما «لا أ» فتعني نفي القضية أ أو، كما يقال «نقيض» أ، مثل «ليس من الصحيح أنني أكتب ... إلخ.» ويميز المناطقة بين المتنافسين والضدين، فبينما يكون النقيض نفيا للقضية، يكون الضد مقابلها. فإذا قلت «كل إنسان فان» كان نقيضها هو «ليس صحيحا أن كل إنسان فان» ومن هذا ينتج أنه «ليس بعض الناس فانين» بينما الضد هو «لا إنسان فان».
صفحة غير معروفة