من المهم ألا ننسى أن مذهب التطور يتعين عليه، لكي يظل سائرا في الطريق الذي اختطه دارون، أن ينظر إلى هذه القدرة على التغير على أنها تسلك أي اتجاه كان، بحيث إن الانتقاء الطبيعي هو وحده الذي يوجهها في الوجهة الملائمة، ولكن ما عسى أن تكون نسبة احتمال التغير الملائم عندئذ؟ إنها بلا شك نسبة ضئيلة جدا، لا سيما أن هذا التطور لن تكون له فائدة إلا إذا كان مشتملا على عدد معين؛ بل على عدد كبير من التغيرات التي تتجه كلها نحو هدف واحد، فمثلا: ما قيمة اكتساب بلورية العين بغير شبكية، أو شبكية بغير بلورية؛ بل ما فائدة وجود عين بدون الأفعال المنعكسة التي تعين على استخدامها؟ لقد شعر دارون نفسه بهذه الصعوبة، ولهذا اعترف بأن التغيرات كانت لا بد ضعيفة في البداية، حتى لا يكون ضررها أكبر من نفعها. ومع ذلك، فلنا أن نتساءل عما يتبقى لها من قيمة إذا كانت ضعيفة، وكيف يتسنى للانتفاء أن يثبتها. (ج) الطفرات
وهكذا اضطر الباحثون إلى تصور حدوث تغيرات قوية مفاجئة، وهي التي أسماها «دارون» بالسورات
Sports
والتي تسمى اليوم طفرات
mutations . ولقد أشار دي فريس
De Vries
وهو عالم هولندي ينتمي إلى المذهب الدارويني الحديث إلى وجود طفرات كهذه في نبات قريب من «الفوكسيا»
fuchsia ، اسمه
Densthera amarckiana ، وهذه الطفرات قد أصبحت اليوم موضوع بحث العلماء. ولكنها لا تخفف من الصعوبة؛ بل الأمر على عكس ذلك، لأنها لو كانت عرضية لكان يخشى منها أن تكون ضارة، وأن تنتج مسوخا
30
صفحة غير معروفة