فعندما حقن كلودبرنار كلبا منع عنه الطعام بالأثير في أمعائه، وجد أن القنوات حاملة العصارة الهضمية قد ابيضت، كما لو كان الحيوان قد هضم مواد غذائية دسمة، وتلك هي الظاهرة التي لا نجد لها علة، وهي «ظاهرة ممتنعة وغير معقولة». (2)
وعلينا أن نهتدي إلى تعليل لها، وعندما فحص كلودبرنار الأدوات التي استخدمها في تجربته فحصا دقيقا، تبين له أن الأثير قد أدخل بوساطة حقنة بها دهان عالق أذابه الأثير وأدخله معه، وعلى ذلك فقد امتص الحيوان دهنا بالفعل. (3)
فإذا ما أدخلنا الأثير بأنبوبة لا أثر بها للدهن، فإن قنوات العصارة لا تبيض، وهذا ما تحقق منه بالفعل. (6) أهمية الفكرة في منهج الفسيولوجيا
من كل هذه الأمثلة، ننتهي إلى أن العملية التجريبية متشابهة في العلوم البيولوجية وفي الطبيعة الرياضية، على أن هذا التشابه يقف عند حد معين هو عدم إمكان إضفاء صورة الدالة الرياضية أو على الأقل عدم إمكان إضفائها دائما على «الفكرة» التجريبية التي تبتدع في المرحلة الثانية من مراحل البحث. وقد بذل مجهود كبير للوصول إلى هذه الغاية؛ بل إن في علم الحياة جزءا كاملا يتشكل بالصورة الرياضية. أو أن الفكرة تتشكل على الأقل بالصورة الطبيعية الكيميائية، ففكرة الدورة الدموية عند «هارفي» ميكانيكية، وفكرة الحرارة الحيوانية عند «لافوازييه» كيميائية، وكان كلودبرنار يجري تجاربه، في أغلب الأحيان، بطريقة صناعية، أعني في البيئة الجامدة كما يفعل الكيميائي.
ولقد ألح كلودبرنار في بيان أهمية «الفكرة» التي كان يسميها فكرة أولية
apriori
أو «فكرة مسبقة
préconçu » أو «فرضا» على أن كلمة «الفرض» هي الكلمة الشائعة، التي استخدمناها من قبل في الفصل السابق، أما عبارة «الفكرة الأولية» فتهدف إلى توضيح أسبقية الفكرة على التجريب، وتبين أيضا أنها اخترعت، وأنها وليدة الذهن، أي أنها من خلقه الحر الأصيل، وأما عبارة الفكرة المسبقة، فلا تدل إلا على أنها تسبق التجربة، وعلى كل حال، فنحن لا نوصي باستخدام هذين التعبيرين الأخيرين، إذ إن «الأولى
apriori » يعني - إذا شئنا الدقة - ما هو مستقل عن التجربة، والفكرة المسبقة
idée préconçu
صفحة غير معروفة