أما الفصل السادس والأخير من فصول كتاب الدكتور محمود علي عن المنطق الإشراقي، فكان موضوعه «منطق السهروردي ومحاولة قراءة أفكاره في ضوء المنطق الحديث»، وقد جاء هذا الفصل مقسما إلى مجموعة من العناصر التي تدخل بوجه عام في إطار الحديث عن منطق السهروردي، وهذا يدلنا على التزام الباحث بالدقة وعدم حشر موضوعات قد تبدو بعيدة عن المحور أو الفصل الرئيسي الذي قام بتحليله ودراسته.
موضوع هذا الكتاب إذن يعد موضوعا حيويا، كما سبق أن أشرنا، وهو موضوع لا يعد من الموضوعات السهلة، خاصة أنه يبحث في مجال به مصطلحات عديدة، وباحثنا قد بذل جهده في تحليل وصياغة العديد من الآراء التي قام بها السهروردي، كما أن من مزايا هذه الدراسة أن الباحث لم يكن مقتصرا على مجرد العرض الموضوعي لفصول دراسته، بل إنه حاول جهده نقد هذا الرأي أو ذاك من الآراء التي قال بها السهروردي. ومعنى هذا أن البحث يتضمن الرؤية الموضوعية، والرؤية الذاتية النقدية، وإن كنا نجد عند المؤلف نوعا من المبالغة في إثبات فكرة التأثر والتأثير - تأثر السهروردي بمن سبقوه ومدى تأثيره في الذين عاشوا بعده - وهذه المسألة كان ينبغي معالجتها بحذر حتى نبتعد عن الأساليب الخطابية الإنشائية، والتي تعتمد على المبالغة بوجه عام.
الموضوع إذن الذي اختاره الباحث يعد - كما قلنا - موضوعا مهما، والكتاب به معلومات كثيرة يمكن أن تفتح المجال لكثير من طلاب البحث والدراسة؛ أي إن الهدف الذي سعى إليه المؤلف يعد هدفا نبيلا؛ إذ يسعى إلى التعرف على حقيقة الأشياء، ونرجو للمؤلف استكمال دراساته في مجال المنطق عند فلاسفة العرب بوجه عام؛ إذ إن العرب قد بذلوا جهدا كبيرا في سبر أغوار العديد من المشكلات المنطقية وعلاقتها بالمشكلات الفلسفية.
وحين نجد دراسة أكاديمية؛ دراسة تكشف عن ثراء واطلاع صاحبها، دراسة أمينة وموضوعية، فإن هذه كلها أمور تؤدي بنا إلى تقدير صاحب هذه الدراسة الدكتور محمود علي، ونرجو له كل التوفيق في دراساته المقبلة؛ خاصة أن المشكلات المنطقية والفلسفية تعد ثرية ومتنوعة. نرجو له التمسك بالبحث والدراسة طوال سنوات حياته العلمية.
والله هو الموفق للسداد.
أ.د. عاطف العراقي
أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة
مدينة نصر في 16 / 2 / 1998م
مقدمة المؤلف
يحتل «شهاب الدين أبو الفتوح يحيى السهروردي»، الملقب ب «السهروردي المقتول»، في تاريخ التصوف الإسلامي مكانة كبيرة؛ إذ يمثل كونه مؤسسا للفكر الفلسفي الإشراقي، الذي يدعو إلى الوصول للمعرفة ، عن طريق الذوق والكشف الروحاني، بخلاف التوجه الفلسفي العام والمستدل بالتقصي والتحليل البرهاني. جمع بين عدة توجهات فلسفية من الفكر اليوناني والفكر الشرقي وغيرهما كنماذج فلسفية لتوضيح الفلسفة الإشراقية، وهو يمثل أكبر من دعا إلى التأمل الروحاني من بين الفلاسفة المسلمين، كما عرف عنه عدم الاقتناع بالمصادر، بل بأسلوب التفكير الذاتي والنفسي.
صفحة غير معروفة