ثانيا:
طريق الكشف والعيان، وهو أدق الطرق وأوثقها.
ومن هذين الطريقين يضع السهروردي التعريف الكامل لديه، ويسميه بالمفهوم والعناية، ويحدده: «بأنه التعريف بأمور لا تختص آحادها الشيء ولا بعضها، بل تخصه للاجتماع.»
24
وهذا التعريف عند السهروردي، وإن أخذ صورة الرسم الناقص، إلا أنه يحمل بعدا إشراقيا، وهذا يدل على إيمان السهروردي بحقيقة الجمع بين الحكمة البحثية والحكمة الذوقية.
أما في مبحث القضايا والقياس؛ فنجد السهروردي يختصر كثيرا من أشكال القضايا والقياس؛ لأنها متشعبة يستغنى عنها بأقل منها، ويستبدل بها ضوابط للفكر قليلة العدد، مختصرة كثيرة الفوائد تكفي للذكي، وهو ما قاله ابن تيمية بعد ذلك من أن «المنطق الأرسطي لا يفيد الذكي ولا ينتفع به البليد.»
25
وهذا يعني أن السهروردي يرفض كل ما هو زائد عليه أو متشعب منه لا دلالة له؛ فمبادئ العقل هي المبادئ الكافية، وقد يكون هذا التشعب والتفريع أحد معاني الصورية؛ أي الصورية الفارعة.
ففي القضايا، يقسم القضايا من حيث الكم إلى كلية وجزئية، ثم يحذف القضايا الشخصية؛ لأن الشواخص لا يطلب حالها في العلوم، وحتى تكون أحكام القضايا أضبط وأسهل، ثم يرد القضايا الجزئية كلها إلى قضايا كلية؛ فالكل هو الأصل، والجزء فرع عليه، والمعرفة الإشراقية كلية لا جزئية، وفي العلوم لا تطلب البرهنة على القضايا الجزئية، بل على الكلية، والجزئية لا تكون شرطا في التناقض؛ وبالتالي فهي لا تدخل في أصول القضايا، والكلية لا بد أن تكون محيطة أو حاصرة.
26
صفحة غير معروفة