17
ومن هذا المنطق فإن هذه الدراسة تسعى جاهدة إلى عرض نقد السهروردي لنواح من المنطق الأرسطي الذي وجد فيه ما يعوق طريقه نحو الإشراق، لنكشف من خلال هذا النقد عن رأيه في المنطق العقلي، وهو الصوفي الإشراقي الذي يرى أن المعرفة أساسها: «معاينة المعاني والمجردات مكافحة لا بفكر ونظم دليل قياسي أو نصب تعريف حدي أو رسمي، بل بأنوار إشراقية متتالية متفاوتة لسلب النفس عن البدن.»
18
فما الغاية من عرضه للمنطق ونقده له؟ وما الذي يمكن أن يقدمه في حقل نقد المنطق؟ وهل كان في نقده للمنطق يستند إلى أسس عقلية ينقد من خلالها، فيكون بذلك قد عاد إلى إطار العقل - إن كان ذلك ممكنا -؟ وما قيمة هذا النقد مقارنة بما تعرض له المنطق الأرسطي من نقد في مختلف العصور؟
والإجابة عن هذه الأسئلة متضمنة في تقسيم السهروردي لقضايا المنطق الإشراقي إلى ثلاثة مباحث، وهذه المباحث تكون كالآتي: (1)
مبحث المعارف والتعاريف، ويضم مباحث اللغة وصلة اللفظ بالمعنى والتصريف. (2)
مبحث الحجج، ويضم مباحث القياس وأشكال القضايا. (3)
مبحث المغالطات، وفيه ينقد السهروردي مباحث المشائين في الطبيعيات والإلهيات؛ أي أنه ينقد بعض نتائجهم على أساس من تجربته الإشراقية.
ففي مبحث المعارف والتعاريف، يغير السهروردي بعض أسماء الألفاظ المنطقية المعروفة، ويضع مكانها أسماء أخرى، فيسمي مثلا القسمة الثلاثية المشهورة لدلالة اللفظ على المعنى: التطابق والتضمين والالتزام - يسميها القصد والحيطة والتطفل، وهي ألفاظ تدل على جانب شعوري قصدي لا على جانب صوري موضوعي محايد. وفي قسمة الألفاظ إلى عام وخاص، يسمي اللفظ الخاص اللفظ الشاخص، والمعنى الخاص المعنى الشاخص أو المنحط. وواضح في هذه التسمية الجديدة ظهور بعد الشخص كبعد التعين أو تعيين درجته من حيث العلو والانحطاط، والعلو والانحطاط كلاهما يمثلان بعدا صوفيا تترتب فيه الموجودات حسب الشرف والكمال.
19
صفحة غير معروفة