وكان يسأل طول نهاره ما قدر عليه، فاذا كان في الليل سبقه الى موضع مبيته لئلا يغلق دونه الباب، فيستلقي أبو علي على سريره، ويقف أبو هاشم بين يديه قائما، يسأله حتى يضجره، فيحول وجهه عنه، فيتحول إلى وجهه، فلا يزال كذلك حتى ينام، وربما سبقه هو، فأغلق الباب دونه.
وكان أبو علي، ينظر في شيء من النجوم، وكان يقول: أكثره يجري مجرى الامارات، وله كتاب في الرد على المنجمين.
فلما ولد أبو هاشم، نظر في الطالع فقال: رزقت ولدا يخرج من بين فكيه كلام الأنبياء.
وكان أبو عبد الله البصري يحكي من ورعه وزهده، ما يدل على الدين العظيم.
قيل: واجتمع بأبي الحسن الكرخي، فجرى بينهما ما أدى الى الكلام في الصلاة في الدار المغصوبة، فكأن أبا الحسن أنكر قوله وقول أبيه في ذلك، وأخذا يتكلمان في ذلك، فقال أبو هاشم: إن ادعيت الإجماع في ذلك سكت، وإن لم يكن اجماع، فالكلام بين في المسألة، فلم يزالا يتكلمان، حتى ادعى أبو الحسن الاجماع فيما انتهى الكلام إليه.
قال القاضي: وكان أبو هاشم من أحسن الناس (أخلاقا)، وأطلقهم وجها، وقد استنكر بعض الناس خلافه على أبيه، وليس مخالفة تابعا للمتبوع، في دقيق الفروع، بمستنكر. فقد خالف أصحاب أبي حنيفة أبا حنيفة. وخالف أبو علي أبا الهذيل والشحام. وخالف أبو القسم استاذه، وقال أبو الحسن في ذلك: (شعرا):
يقولون بين أبي هاشم ... وبين أبيه خلاف كثير
فقلت: وهل ذلك من ضائر ... وهل كان في ذلك مما يضير
فخلوا عن الشيخ لا تعرضوا ... لبحر تضايق عنه البحور
وان أبا هاشم تلوه ... إلى حيث دار أبوه يدور
ولكن جرى من لطيف الكلام ... كلام خفي وعلم غزير
صفحة ٨١