قال الإمام أبو منصور الأزهري - رحمه الله - في كتابه تهذيب اللغة: "ومما يدلك على أن تسبيح هذه المخلوقات تسبيح تعبدت به، قول الله جل وعز للجبال: {ياجبال أوبي معه والطير} ، ومعنى أوبي أي: سبحي مع داود النهار كله إلى الليل، ولا يجوز أن يكون معنى أمر الله جل وعز للجبال بالتأويب إلا تعبدا لها، وكذلك قوله جل وعز: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس} (1) فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها لا نفقهها عنها كما لا نفقه تسبيحها، وكذلك قوله: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} (2) وقد علم الله هبوطها من خشيته، ولم يعرفنا ذلك، فنحن نؤمن بما أعلمنا ولا ندعي بما لم نكلف بأفهامنا، من علم فعلها كيفية نحدها" اه. كلامه - رحمه الله -، وهو كلام عظيم وتقرير حسن.
وقال النووي - رحمه الله - بعد أن أشار إلى ما قيل في المراد بالتسبيح، قال: "والصحيح أنه يسبح حقيقة، ويجعل الله - تعالى - فيه تمييزا بحسبه".
وهذا القول هو القول الحق في هذه المسألة بلا ريب، فالله - تبارك وتعالى - هو الذي بيده أزمة الأمور، وهو القادر على كل شيء، وهو - سبحانه - الذي أنطق كل شيء، لا يتعاظمه أمر، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
صفحة ٢٣٠