356

أنه لو كان لا يشاء لما كان يفعل ، كما أنه إذا شاء فيفعل. فإذا (1) صح أنه إذا شاء فعل ، صح أنه إذا فعل فقد شاء. أي إذا فعل فعلا (2) من حيث هو قادر ، فيصح أنه إذا لم يشأ لم يفعل ، وإذا لم يفعل لم يشأ. وليس في هذا أنه يلزم أن لا يشاء وقتا ما ، وهو بين لمن عرف المنطق.

وهذه القوى التي هي مبدأ الحركات (3) والأفعال ، بعضها قوى تقارن النطق أو التخيل ، لأنه (4)، يكاد أن يعلم بقوة واحدة الإنسان واللاإنسان ، ويكون بقوة واحدة أن يتوهم (5) أمر اللذة والألم ، وإن لم يتوهم (6) بالجملة الشيء وضده.

وكذلك هذه القوى أنفسها أو خادمها تكون قوة على الشيء وعلى ضده ، لكنها بالحقيقة لا تكون قوة تامة ، أي مبدأ التغير من آخر (7) في آخر بأنه آخر بالتمام وبالفعل ، إلا إذا اقترن بها الإرادة منبعثة عن اعتقاد وهمي تابع لتخيل شهو اني أو غضبي ، أو عن رأي عقلي تابع لفكرة عقلية ، أو تصور صورة عقلية. فيكون (8) إذا اقترن بها تلك الإرادة ولم تكن إرادة مخيلة بعد ، بل إرادة جازمة ، وهي التي هي الإجماع الموجب لتحريك الأعضاء ، صارت لا محالة مبدأ بالفعل للفعل (9) بالوجوب ، إذ قد بينا أن العلة ما لم تصر علة بالوجوب حتى يجب عنها الشيء ، لم يوجد عنها المعلول ؛ وقبل هذه الحال فإنما تكون الإرادة ضعيفة لم يقع إجماع. فهذه القوى المقارنة للنطق بانفرادها ، لا يجب من حضور منفعلها ووقوعها (10) منها بالنسبة التي إذا فعلت فيه فعلت بها ، وأن يكون (11) يفعل بها وهي بعد قوة.

وبالجملة لا يلزم من ملاقاتها للقوة المنفعلة أن تفعل ذلك ، وذلك لأنه لو كان يجب عنها وحدها أن تفعل ، لكان يجب من ذلك أن يصدر عنها الفعلان المتضادان والمتوسطان (12) بينهما ، وهذا محال ؛ بل إذا صارت كما قلنا فإنها تفعل بالضرورة.

صفحة ٢٨