باق في الحالتين ، فهو أصل بالقياس إليها» راجع إلى ما ذكرنا من معنى الأصل من بعض الجهات ، إلا أنه ربما يوهم أن ذلك مجرد اصطلاح ، اصطلح عليه الشيخ وليس كذلك ، بل إن ذلك معنى الأصل لغة وعرفا ، أي ما هو الأصل في الوجود والقيام والتعقل ، وإلا أنه لو كان قوله : «من شأنه أن يوجد فيه أعراض وصور إلى آخره » نعتا لقوله : «كل بسيط» كما يشعر به قوله: «فهو أصل بالقياس إليها» يلزم منه أن الأصل ما هو البسيط الغير الحال في شيء ، ومن شأن ذلك البسيط أن يوجد فيه أعراض وصور ، وأن يزول عنه تلك الأعراض والصور وهو باق في الحالتين ، فيلزم منه أن يكون المحل المتقوم بالحال أيضا أصلا في الوجود والقيام والتعقل ، وقد عرفت أنه ليس كذلك. ولو كان قوله : «من شأنه إلى آخره » نعتا للشيء يلزم منه أن البسيط لو كان حالا في شيء كذلك كان أصلا أيضا ، فيلزم منه أن يكون الأعراض والصور البسيطة الحالة في الهيولى الباقية في الحالتين أصلا في الوجود والتعقل ، وهذا أظهر فسادا من الأول ، وإلا أنه عده أصلا بالنسبة إلى الأعراض والصور ، وأنه يوهم عد الهيولى الاولى أيضا أصلا ، والظاهر من كلام الشيخ أنه عده أصلا لأصالته في الوجود والقيام والتعقل ، وأن المحل مطلقا خارج عن كونه أصلا بهذا المعنى ، لكنه رحمه الله أعلم.
وإذا عرفت ما ذكرنا فنقول : إن الشيخ بعد ما ذكر أن قوة الفساد يستلزم التركيب من مادة وصورة ، إما في ذات ذلك الأمر المفروض فاسدا أو فيما يقوم هو به ، سرد الدليل على عدم فساد النفس هكذا : إن كانت النفس بسيطة مطلقة بحيث لا تركيب في ذاتها أصلا ولا قيام لها في المركب كما هو الثابت بما تقدم لم تنقسم هي ولا ما تقوم هي به إلى مادة وصورة ، فلم تكن قابلة للفساد وإن اخذت مركبة فذلك التركيب ، إما بأخذها مركبة في ذاتها فذلك غير ممكن ، لمنافاته لبساطتها الذاتية وأصالتها المطلقة ، وإما بأخذها مجتمعة مع غيرها وذلك إما بأخذها كالصورة في ذلك المجتمع ، وهذا أيضا غير ممكن ، لمنافاته لأصالتها المطلقة ، ولعدم قيامها بالمادة ، فبقي أخذها كالمادة لذلك المجتمع ، مع أن لها مناسبة للمادة من وجه ، حيث إن المادة أيضا شيء بسيط غير قابلة للفساد ، وكذا هي أصل في المركبات ، وإن لم تكن أصلا بالمعنى المذكور المقصود هنا. وحينئذ فلنترك ذلك المركب المجتمع ، لعدم كونه نفسا ، لأن كلامنا في النفس ، وهي جزء من هذا المجتمع ،
صفحة ١٨٦