في توجيه حجج أفلاطون
وأما الحجج الثلاث التي ذكرنا أن أفلاطون اعتمد عليها في هذا المطلب ، فهي حجج واضحة بعد التأمل عند من كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد ، سواء بني الاحتجاج بها على مذهب أفلاطون وشيعته من قدم النفس ، (1) أو على مذهب من قال بحدوثها قبل البدن كما هو رأي بعض المليين.
حيث إن المنقول عن أفلاطون وشيعته قدم النفس ، إما بناء على الدليل الذي دل عندهم على قدم العالم ، وكان ذلك جاريا بزعمهم في النفس أيضا كما هو الاحتمال.
وإما بناء على الدليل الذي قام عندهم على قدم خصوص النفس كما نقله صاحب المحاكمات عنهم حيث قال :
واعلم أن أفلاطون وأتباعه ، إنما ذهبوا إلى قدم النفس لأجل أنهم ما فرقوا بين إمكان الحدوث وإمكان العدم في استدعاء المادة. وعلموا أن النفس غير مادية فقطعوا بأنها قديمة ، لأنها لو كانت محدثة ، كانت لها مادة فامتنع حدوثها كما لم يمكن عدمها لذلك ، ولأن النفس لما كانت عاقلة لذاتها ، لا يجوز أن يكون إمكان وجودها في مادة وإلا لتوقف وجود النفس على المادة ، فلا تعقل بذاتها ، وإذا لم يمكن إمكان وجودها في مادة لم يمكن أن يكون فسادها في مادة ، وإلا لكان وجودها يتوقف على عدم الاستعدادات العدمية. انتهى.
وكذا إذا بني الاحتجاج بها على مذهب من قال بحدوثها بحدوث البدن كما هو رأي الأكثرين منهم ، وسيجيء تحقيقه ، إلا أنه على هذا التقدير ، يرد على تلك الحجج تلك
صفحة ١٥٣