ومما يوقف عن قبول ما قاله ابن جرير أن اليهود الموادعين كانوا بالمدينة من غير ضرورة إليهم ولم يخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأول مدة طويلة اللهم إلا أن يقال ما كان ذلك الحكم شرع في ذلك الوقت ولو قال إن ذلك جائز لا واجب أو أن وجوبه بحسب ما يراه الإمام من إجلائهم وإبقائهم كان جيدا وكنا نحمل ما نشاهده من إبقائهم على أنه ما رأى الماضون المصلحة في إجلائهم.
والذي يشهد الخاطر أن سببه إهمال الملوك ذلك وعدم نظرهم وليسوا أهل قدوة وأعمال اليهود والنصارى وهممهم في الدنيا والاستيلاء بغير حق والعلماء والصالحون مشغولون بعلمهم وعبادتهم عن مقابلة ذلك وتضييع زمانهم فيه مع صعوبته كما نحن نشاهد، ولقد كان البكري شاهد من علوهم واستيلائهم ما أوجب تأثر قلبه وانفعاله لقبول كلام ابن جرير.
ومما يدل على تمكنهم من الإقامة في الأمصار إذا كان إليهم حاجة أن عمر بن الخطاب كان له غلام نصراني اسمه أشق كان يقول له أسلم حتى أستعملك فإني لا أستعمل على عمل المسلمين إلا مسلما فيأبى فأعتقه عند موته وأبو لؤلؤة كان مجوسيا لكن ما جاء منه خير.
وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى العبدي مهما تنصح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية.
صفحة ٣٦