[13] فأما لم كان البصر لا يدرك شيئا من المبصرات إلا من سموت هذه الأعمدة فقط فلأن بهذه الأعمدة فقط تترتب أجزاء المبصر في سطح العضو الحاس وبها تتميز جميع المبصرات عند الحاس. وقد تبين من قبل أنه ليس يصح أن تترتب صورة المبصر في سطح العضو الحاس إلا إذا كان قبوله للصور من هذه السموت فقط، فلذلك صارت طبيعة البصر مختصة هذه الخاصة ومطبوعة على أن لا تقبل شيئا من الصور إلا من أوضاع هذه الخطوط فقط. وتخصص البصر بهذه الخاصة هو أحد المعاني التي تظهر منها حكمة الصانع جلت عظمته ولطف صنيعه ويظهر منه حسن تأتي الطبيعة وتلطفها في تهيئة آلات البصر الهيئة التي بها يتم الإحساس وبها تتميز له المبصرات.
[14] فأما الملتحمة فإنها مشتملة على جملة هذه الطبقات، وفيها بعض الرطوبة وهي مع ذلك متماسكة فيها بعض المتانة. وإنما كانت مشتملة على هذه الطبقات لتجمعها وتحفظها وتحرسها. وكان فيها بعض الرطوبة لتتوطأ للطبقات التي في داخلها مواضعها منها ولا يسرع أيضا إلى تلك الطبقات اليبس بالمماسة والمجاورة. وكونها متماسكة فيها بعض المتانة لتحفظ على الطبقات التي في داخلها أشكالها وأوضاعها فلا تتغبر أشكالها ولا أوضاعها. وكانت بيضاء لتشرق بها صورة الوجه وتحسن هيئته.
[15] وكانت جهلة العين مستديرة لأن الاستدارة أعدل الأشكال وأسهلها مع ذلك حركة، والعين محتاجة إلى الحركة وإلى سرعة الحركة. وكانت العين متحركة ومحتاجة إلى الحركة وإلى سرعة الحركة لتقابل بالحركة كثيرا من المبصرات في وقت واحد ومن نصبة واحدة تكون لصاحبها <الذي> يحركها، ولتقابل بالحركة جميع أجزاء المبصر بوسط الناظر، فيدركه بذلك إدراكا بينا ومع ذلك متشابها، لأن الإحساس بوسط العضو الحاس أبين من الإحساس ببقيته وسنبين هذا المعنى من بعد في الموضع الأليق به. فأما سرعة حركة البصر وحاجته إلى سرعة الحركة فليتأمل بسرعة الحركة جميع أجزاء المبصر وجميع المبصرات التي تقابله في أقل القليل من الزمان.
صفحة ١٨٨