127

كتاب المناظر

تصانيف

[1] إن طبقات البصر التي ذكرناها ووصفناها في شرح هيئة البصر هي آلات للبصر بها يتم له الإبصار. وهيئة هذه الطبقات وأوضاع بعضها من بعض هو الذي به يتم وصول صور المبصرات إلى البصر.

[2] أما الطبقة الأولى التي هي ظاهر البصر، وهي التي تسمى القرنية، فهي طبقة مشفة ومع ذلك متينة وهي منطبقة على الثقب الذي في مقدم العنبية. فأول منافعها أنها تغطي ثقب العنبية فتنضبط بذلك الرطوبة البيضية التي في داخل العنبية فتنحصر ولا تتشتت. فأما شفيفها فإنها إنما كانت مشفة لتنفذ فيها صور الأضواء والألوان إلى داخل البصر، لأن صور الأضواء والألوان ليس تنفذ إلا في الأجسام المشفة، ولا تقبلها وتؤديها إلا الأجسام المشفة. وأما متانتها فلئلا يسرع إليها الفساد لأنها منكشفة للهواء، فهي تحتمي بمتانتها من المؤذيات اللطيفة كالقذى والغبار والدخان وكالطرفة وما يجري مجرى ذلك. فهذه هي منافع هذه الطبقة.

[3] فأما الرطوبة البيضية فهي مشفة ومع ذلك رطبة مائعة. أما شفيفها فلتنفذ فيها الصور وتصل إلى الرطوبة الجليدية التي بها يقع الإحساس. وأما رطوبتها فلترطب أبدا الرطوبة الجليدية وتحفظ عليها صورتها، لأن هذه الرطوبة، أعني الجليدية، ترفة في الغاية، والغشاء الذي عليها رقيق في الغاية، واليسير من اليبس يفسدها ويغير صورتها. وكانت الرطوبة البيضية رطبة مائعة لترطب أبدا الجليدية وحفظ عليها رطوبتها.

صفحة ١٨٤