[11] ونجد البصر ليس يدرك شيئا من المبصرات إلا إذا كان حجمه مقتدرا وأريد بالحجم مساحة المبصر جسما كان أو سطحا أو خطا وليس يدرك من المبصرات ما كان في غاية الصغر. ويوجد من الأجسام الصغار بالاستدلال ما لا يدركه البصر بوجه من الوجوه. فإن إنسان عين البعوض وما جرى مجراه في الصغر ليس يدركه البصر بوجه من الوجوه، وهو مع ذلك جسم موجود. وأصغر المقادير التي يمكن أن يدركها البصر تكون بحسب قوة البصر أيضا وضعفه، فإن من الأجسام الصغار ما يدركها بعض الناس ويحس بها وتخفى عن أبصار كثير من الناس ولا يدركونها بوجه من الوجوه إن كانت أبصارهم ليست في غاية القوة. وإذا اعتبرت جميع المبصرات وأصغر الصغيرمن المبصرات وجدت ليست في غاية الصغر، بل يوجد كل مبصر وإن كان في غاية الصغر فقد يمكن أن يكون في الأجسام الموجودة ما هو أصغر منه ولا يحس به البصر. فدل ذلك على أن البصر ليس يدرك شيئا من المبصرات إلا إذا كان حجمه مقتدرا أو كان في مبصر مقتدر الحجم، كاللون والشكل وما أشبه ذلك، فإن أصغر المقادير التي يدركها البصر يكون بحسب قوة ذلك البصر.
[12] وأيضا فإنا نجد البصر ليس يدرك شيئا من المبصرات إلا إذا كان كثيفا أو كان فيه بعض الكثافة. فإن الجسم إذا كان في غاية الشفيف كالهواء اللطيف فليس يدركه البصر، ويدرك ما وراءه. فليس يحس البصر بالجسم المشف إلا ذا كان أغلظ من الهواء المتوسط بينه وبين البصر. وكل جسم كثيف فله لون أو ما يجري مجرى اللون كأضواء الكواكب وصور الأجسام النيرة. وكذلك كل جسم مشف فيه بعض الكثافة فليس يخلوا من اللون.
[13] وأيضا فإنا نجد البصر إذا كان يدرك مبصرا من المبصرات ثم بعد عنه بعدا شديدا خفي ذلك المبصر عن البصر فلم يدركه. ونجد المبصر إذا بعد عن البصر بعدا شديدا حتى ينتهي إلى حد يخفي عن البصر فلا يدركه البصر فقد يمكن للبصر أن يدرك من ذلك البعد بعينه إذا لم يكن في غاية التفاوت مبصرا غير ذلك المبصر إذا كان أعظم جثة من المبصر الخفي. فدل ذلك على أن الأبعاد التي يصح ن يدرك منها المبصر والأبعاد التي يخفى منها المبصر إنما تكون بحسب عظم المبصر.
صفحة ٦٧