ذكره، وكيف يجوز حكم من خالف الحق والله عز وجل يقول: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ... الظالمون ... الفاسقون (1).
فإن قال قائل: فلم امتنع علي عليه السلام في أول الأمر من الحكومة وأباها، وأمر أصحابه بقتل أصحاب معاوية وهم يدعون إليها، وهي كما ذكرت في الكتاب والسنة؟
قيل له: إن الحكومة لا تلزم من دعي إليها وتجب وجوب فرض عليه، ولسنا نقول: إن التحكيم يجب لكل من دعا إليه، ولا أنه حق واجب يلزم من طلب منه من أهل العدل إذا دعى إلى ذلك أهل البغي أو من المسلمين إذا طلبه منهم المشركون، وإنما ذلك أمر مفوض فيه إلى الأئمة عليهم السلام وإلى من أقاموه، فإن أرادوا محاكمة من خالفهم أو موادعتهم أو دعاهم إلى الاحتجاج عليهم، فعلوا من ذلك ما رأوه وما لم يروا منه أمضوا أمرهم على ما أراهم الله عز وجل من جهاد عدوهم، وإنما التحكيم كالأمان والموادعة والصلح، يرى الأئمة فيه رأيهم صلوات الله عليهم فيما هو أصلح لهم وللمؤمنين وأعود عليهم، ولو لم يحكم رسول الله صلى الله عليه وآله سعدا في بني قريظة ومضى على قتالهم وقتلهم، لكان ذلك إليه كما فعل ذلك بكل من قاتله وحاصره من المشركين، فلما دعا إلى ذلك معاوية وأصحابه وقد أخذتهم السيوف واستولت عليهم الهزيمة، وعلم علي عليه السلام أن ذلك منهم إنما هو مكر وابتغاء للخلاص من القتل لم يجب إليه، وأمر أصحابه بالجد في طلبهم وقتلهم والإثخان فيهم، فلما لم يقبلوا ذلك منه وانقض جمعهم عنه، ورأى أن الشبهة قد دخلت عليهم والفشل قد فشا فيهم، رأى أن يجيب معاوية إلى التحكيم بكتاب الله، إذ كان كتاب الله يشهد له، ليوضح الأمر في ذلك لمن التبس عليه والحق لمن شك فيه، فكان من أمر ذلك ما كان.
وقالت الخوارج: قد كنا أخطأنا في إجابتنا إلى التحكيم، وإذا قد علم علي ذلك
صفحة ٢٥٨