248

المناقب والمثالب

تصانيف

[التحكيم]

ومن ذلك: أن معاوية ناصب عليا عليه السلام ودافعه أولا وهو يدعي الإمارة التي أمره عليها عثمان، وقد ذكرنا قبل هذا فساد هذه الدعوى وما يجب بإجماع من زوال الإمارة بموت الإمام الذي أمره عليها، وأن الحكم في ذلك يصير إلى الإمام بعده، يقر من رأى أن يقره من العمل ويصرف من شاء منهم، وكذلك فعل من تقدم من أئمتهم.

وإنما ولى معاوية عمر بن الخطاب، فلما ولي عثمان أقره، ولو عزله لما كان له عند نفسه أن يقيم على ذلك العمل بعد موت من استعمله عليه، وكذلك لو عزله الذي كان يستعمله، لزال حكمه عنه، ثم إن معاوية لما استولت عليه الغلبة وأخذته وأصحابه الهزيمة، احتال له عمرو بن العاص فرفع المصاحف ودعى إلى الحكم بما فيها، فكف عنهم أصحاب علي تحرجا، لأنهم كانوا أهل بصائر ودين، فأمرهم علي عليه السلام بالتمادي عليهم، وأخبرهم أنها مكيدة منهم، فاختلفوا في ذلك عليه ورفعوا السيوف عن عدوهم وافترق جمع منهم، فرأى علي عليه السلام إيضاح الحق لهم، وعلم أن الكتاب يشهد له فأجابهم إلى الحكومة بما فيه، فأصاب معاوية الوسيلة والوصول إلى الحيلة، وقدم [معاوية] عمرو بن العاص وقدم علي أبا موسى الأشعري للمناظرة والحكم بكتاب الله الذي رفعوه، ودعا إليه واشترط ذلك وأكد فيه، وكتب كتاب قضيته: بأن لا يكون الحكم إلا بكتاب الله لا يعدوه أحد إلى غيره، كما كان الدعاء إليه.

فمكر عمرو بن العاص بأبي موسى الأشعري وأظهر بره وإكرامه وإجلاله وإعظامه، وكان إذا حضرت الصلاة قدمه وقال: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وأسبق مني إلى الإسلام وأقدم سنا.

وقال: هلم بنا يخلع كل واحد منا صاحبه، ثم نتفق على من نقدمه. وأوهمه في ذلك أن يرجع إلى قوله ويقدم من أراده وأطمعه في ذلك.

فصعد أبو موسى المنبر فخلع بزعمه عليا عليه السلام وقال لعمرو: اصعد أنت فاخلع

صفحة ٢٥٤