والآخر أنه وجد الشافعي ذكر مسألة في موضعين، اختصرها في أحدهما، وذكرها مستوفاة شرائطها في الموضع الآخر - فنقلها المزني مختصرة، ثم اشتغل بالاعتراض عليها، ولو نقلها من الموضع الآخر مقيدة بشرائطها استغنى عن الاعتراض.
ومثال كل واحد من هذين النوعين عندي فيما رددته من كلام الشافعي إلى ترتيب المختصر، وإيراده هنا مما يطول به الكتاب.
وعمل شيئا آخر وهو أن كل كتاب صنفه الشافعي ورتب له ترتيبا حسنا ترك «المزني» ترتيبه، وقدم وأخر، كالجمعة والجنائز وغيرهما.
وقد يذكر الشافعي مسألة في موضعين بعبارتين، فينقل «المزني» تلك المسألة بعضها بعبارته في أحد الموضعين، والثاني بعبارته في الموضع الآخر؛ كيلا يهتدى إلى كيفية نقله! ولو نقلها - على ترتيبه فيما رتبه - وعلى عبارته في أحد الموضعين كان أحسن وأبين.
فهذا وجه جواب أبي زرعة.
والذي راعى «المزني» من حق الشافعي في جمع ما تفرق من كلامه، واختصاره ما بسط من قوله، وتقريبه على من أراده، وتسهيله على من قصده من أهل الشرق والغرب - أكثر، وفائدته أعم وأظهر، فلا أعلم كتابا صنف في الإسلام أعظم بركة، وأعم نفعا، وأكثر ثمرة من كتابه».
والذي يلوح لي أن عذر «المزني» فيما كان منه من وهم في اختصاره لعلم الشافعي: أنه لم يكن من قوة الفهم، وسرعة الإدراك بحيث يدرك منازع الشافعي في كلامه
المقدمة / 28