مناهل العرفان في علوم القرآن
الناشر
مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه
رقم الإصدار
الطبعة الثالثة
تصانيف
خادم رسول الله ﷺ: أن جروا دخل بيت النبي ﷺ فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي ﷺ أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال: "يا خولة ما حدث في بيت رسول الله ﷺ؟ جبريل لا يأتيني" فقلت في نفسي: لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو فجاء النبي ﷺ ترعد١ لحيته وكان إذا نزل عليه أخذته الرعدة فأنزل الله: ﴿وَالضُّحَى﴾ إلى قوله ﴿فَتَرْضَى﴾ . فنحن بين هاتين الروايتين نقدم الرواية الأولى في بيان السبب لصحتها دون الثانية لأن في إسنادها من لا يعرف. قال ابن حجر: قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب وفي إسناده من لا يعرف فالمعتمد ما في الصحيح اهـ.
وأما الصورة الثانية- وهي صحة الروايتين كلتيها ولإحداهما مرجح- فحكمها أن نأخذ في بيان السبب بالراجحة دون المرجوحة. والمرجح أن تكون إحداهما أصح من الأخرى أو أن يكون راوي إحداهما مشاهدا للقصة دون راوي الأخرى. مثال ذلك: ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: كنت أمشي مع النبي ﷺ بالمدينة. وهو يتوكأ على عسيب. فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم: لو سألتموه. فقالوا: حدثنا عن الروح. فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ . وما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل. فقالوا: اسألوه عن الروح فسألوه فأنزل الله: ﴿وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ﴾ الآية.
١ قال في القاموس: وقد رعد كنصر ومنع. وقال هامش القاموس: وقد استعمل رعد ثلاثيا أيضا مجهولا دائما، كجن. قالوا: رعد أي اصابته رعدة. قاله الخفاجي في شرح الشفاء اهـ.
1 / 117