فعلى الرغم من أن أهل العدل والتوحيد قد امتازوا جميعا وتميزوا عن غيرهم بإحلال العقل وحججه ومعطياته مكانا عاليا بالقياس إلى النقل والسماع وأدلته، إلا أننا نجدهم خلافا للفلاسفة المسلمين الذين حذوا حذو فلاسفة اليونان لا يقيمون تعارضا بين حجج العقل وحجج القرآن، بل يقدمون قضاياهم، وبالذات في هذه الرسائل كثمرات للحجج التي أتى بها القرآن الكريم، وهو الأمر الذي يجعل هذا الفكر وثيق الصلة بفكر العرب المسلمين ودينهم وحضارتهم وبيئتهم.
ومن ثم يقوم شاهدا على الأصالة التي ندلل عليها هنا. انتهى المراد.
قلت: هذا ما قاله الأستاذ عمارة، ولعل فيه بعض الفهم لمذهب أهل العدل والتوحيد وفي مقدمتهم الزيدية، ويجب أن نوضح هنا أن الدليل عند الزيدية كما أسلفناه قسمان عقلي ونقلي، فالعقلي ما سبق إيضاحه.
والدليل النقلي كما أسلفنا أربعة أقسام، هي:
1- الكتاب المجيد . ......2- السنة النبوية.
3- الإجماع. .........4- القياس.
فالحكم في أصول الدين أولا بالدليل العقلي ثم بالنقلي، وأما في الفروع فالحكم بالمنقول، ومتى تعارض الدليل النقلي بمثله لزم الرجوع إلى الترجيح مع استخدام التفكير الصحيح، ولا ينبغي لأحد تعاطي الاجتهاد في المسألة قبل أن يحصل على العلوم المؤهلة لذلك كما هو موضح في أصول الفقه .
ويشترط لصحة الاجتهاد بالقياس أن لا يصادم نصا ولا إجماعا وإذا كان بناء المسألة على قولين فيجوز إحداث قول ثالث ما لم يرفع القولين.
والنتيجة من هذا البحث هي أن الزيدية بقوة حجتهم ومعرفتهم بالدليل أصبحوا يجمعون الآراء المختلفة حول هذا الموضوع، وأنه يصح أن يكون تقرير الزيدية في كل مسألة خلافية أحسن أساس ينظر فيه من يريد أن يجمع بين الأقوال ويقرب بين المذاهب الإسلامية المختلفة وإليك أمثلة من ذلك.
فمثلا في مسائل الفروع كلها نجد أن الزيدية يقولون: (كل مجتهد مصيب).
صفحة ٢٤