أما ما كان من أمر جميلة، فإنها بعد أن فارقها غريب، لم يعد يهنأ لها طعام ولا نوم. وكانت دائما تفكر فيه وتنتظر ورود رسائله لتقرأها وتقبلها، ولم يكن لها معز إلا سعيدا فإنها كانت تحادثه وتظهر له مكنونات سرها، وهو يعزيها ويصبرها إلى أن ورد لها كتاب غريب، يصف لها فيه زيارته للقاهرة وحكاية مذبحة المماليك، فلما وصلت إلى الفقرة التي يقول فيها: «إن أحدهم تأخر عن وقت الدعوة ونجا من المذبحة»، خفق قلبها وبعثت إلى سعيد أن يحضر إليها فأطلعته على كتاب غريب وما فيه، فأطرق هنيهة ثم قال: «يا سيدتي عسى أن يكون ذلك الرجل سيدي البيك!» فبكت جميلة قائلة: «لا أعلم يا سعيد لماذا خفق قلبي عند قراءتي هذه الفقرة، ولكن ماذا نعمل لنعرف الحقيقة؟»
فقال لها سعيد: «أرى يا سيدتي أن نكتب إلى الأمير بحقيقة الحال، لعله يساعدنا في ذلك ويفتش معنا عن المفقود.»
فقالت: «لا يسعني ذلك يا سعيد، بعد أن بالغت في الكتمان عنه.»
فقال سعيد: «وما المانع أن نخبره بحقيقة حالنا الآن، لا أظن إلا أنه يعذرنا ويساعدنا.»
فتنهدت جميلة ونظرت إلى سعيد وقد خنقتها العبرات، ثم قالت: «إني أخشى أمرا آخر.»
فقال: «وما عسى أن يكون ذلك الأمر، فهل هناك أمر لا أعرفه أنا؟»
فقالت: «نعم يا سعيد، هناك سر لم أطلعك عليه بعد.»
فنظر إليها مدهوشا وقال: «وما هو ذلك السر؟»
قالت: «هو خطأ وقعت فيه منذ صباي، ولا أقوله لك ما لم تتعهد لي بكتمانه كعادتك معي في حفظ الأسرار.» فقال: «يجب أن تثقي بي يا سيدتي بعد الذي رأيته من صادق خدمتي لك، وإني أتعهد لك بما تريدين.»
فقالت له: «اعلم يا سعيد أني لست من نسل المماليك كما تظن، وإنما أنا من بنات أسرة بني شهاب.»
صفحة غير معروفة