وبعد التحية والسلام، سأل محمد علي الأمير بشيرا عن أولاده، والتفت إلى غريب ودعاه إليه وأجلسه بجانبه، ورأى أثر الجرح في رأسه، فقال للأمير بشير: «ما هذا الأثر أيها الأمير؟» فقال الأمير بشير: «يا سيدي العزيز هذا أثر ضربة كادت تقضي عليه في صحراء مصر.»
فقال العزيز: «وكيف ذلك؟» فقص عليه حكايته إلى أن قال: «ولولا أن أحد الرجال الفضلاء أنقذه من مخالب الموت لما كنت رأيته، فكم أنا مدين لهذا الرجل!»
فقال العزيز: «إن مثل هذا الرجل يستحق كل مكافأة.»
فقال الأمير: «مكافأته بيدك أيها العزيز.»
قال العزيز: «وكيف ذلك؟»
قال: «هل يسمح لي جناب العزيز أن أخبره بأمره سرا؟»
فقال: «نعم.» فنهض الأمير إلى جانب العزيز، وفهم الحاضرون أنهم يجب أن يخرجوا ويتنحوا جانبا، وبعد ذلك قص الأمير بشير القصة من أولها حتى آخرها، ثم قال: «وأفضل ما يمكننا مكافأته به إنما هو العفو من جنابكم عليه.»
فالتفت العزيز إلى الأمير قائلا: «قد ذكره لي ابني إبراهيم، وإكراما لخاطرك قد عفوت عنه، وإنما أرجو ألا يقيم في هذه البلاد؛ إذ لا يمكنني إظهار ذلك جهارا خوفا من الملام؛ لأني كنت ناقما عليه بوجه خاص، لاتصال حبل قرباه بالأمير الألفي الذي كان يسعى في إخراج مصر من يدي وتسليمها إلى الإنجليز، وإنما مدحك لأخلاقه، وإقرارك بمعروفه، قد حملاني على العفو عنه.»
فقال الأمير: «سيكون بمعيتي إلى أن أبرح هذا القطر فآخذه معي، ولكن أرجو السماح له بالتفتيش عن منزله، لعله يعثر على أسرته.»
فقال العزيز: «قد أجزنا له ذلك.» ثم قال: «وأود أن أختلي بك برهة يسيرة للتكلم معك في شئون خطيرة، فإذا شئت فتعال مع الأنجال إلى قصر شبرا، حيث يمكننا المفاوضة مليا، وليس هناك من يشغلنا فإن «السراي» هنا محل العمل، وهناك مكان الاستراحة.»
صفحة غير معروفة