فلما وصل الرئيس عرفه الحراس فلم يمنعوه من الدخول، فدخل هو أولا وأخبر الأمير بشيرا بمجيء السيدة والعبد، ثم طلب إليه إن شاء أن يصرف من في مجلسه قبل أن تدخل عليه تلك المرأة، لئلا تستحي، فصرف الجميع. ودخلت جميلة فرأت الأمير جالسا على مقعده، وقد أشعل غليونه، وهو على ما ذكرنا من الهيبة والوقار، وعلى محياه هيئة الأسود، فلما وقع نظرها عليه اضطرب قلبها، وارتعدت فرائصها، فهون عليها ودعاها إلى صدر القاعة، ورحب بها تخفيفا لرعبها.
ثم استأذن سعيد، فأذن له ودخل عليه، وجلس متأدبا قرب الباب.
فنظر الأمير إلى تلك الحورية وعلى يدها ذلك الطفل، وتأمل ذلك العبد الطويل رفيقها فاستغرب أمرهما، فقال لسعيد: «ماذا تكون أنت من هذه المرأة؟» فوقف سعيد احتراما، وقال: «عبدك يا سيدي خادم لحضرتها.» فعظمت المرأة في عيني الأمير، والتفت إليها قائلا: «أين زوجك يا سيدة؟» فأطرقت جميلة برأسها إلى الأرض، ولم تستطع جوابا إذ خنقتها العبرات، وأخذت تتساقط على خديها كاللؤلؤ المنثور، فأثر ذلك في قلب الأمير بشير تأثيرا عظيما، وأدرك الجواب. فسأل سعيدا قائلا: «من أين أتيتم؟» فقال سعيد: «أتينا من مدينة صيدا لنفي بنذر علينا لهذا الدير.»
فقال الأمير: «من أوصلكم إلى باب الدير مساء أمس؟»
فقال: «أوصلنا رجل لا نعرفه إذ لم نر وجهه، ويظهر لي أنه ليس من العامة.»
فقال الأمير: «هل تعرفونه إذا رأيتموه ثانية؟»
فقال سعيد: «نعم يا سيدي.»
فتبسم الأمير، فأدرك سعيد أن ذلك الرجل إنما هو الأمير بشير نفسه، وقد خرج متنكرا يطوف في القرية سهرا على حالة الأمن في البلاد، على أنه قلما كان يتيسر له التنقل والتجول منفردا، لكثرة ما كان له من الأعداء المترصدين في كل مكان.
ثم استأنف الأمير الحديث، فقال: «تقولان إنكما من مدينة صيدا، ويظهر من حديثكما أنكما من بلاد مصر.» فأجاب سعيد: «إن سيدي المرحوم سكن مع أسرته بلاد مصر مدة من الزمن، فاكتسبنا اللهجة المصرية في حديثنا.»
فقال الأمير: «هل أنتما عازمان على العودة إلى بلادكم قريبا؟»
صفحة غير معروفة